ـ(181)ـ
(وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون)(1).. والأسباب التي تعارف عليها الناس قد تتبعها آثارها، وقد لا تتبعها، والمقدمات التي يراها الناس حتمية قد تعقبها نتائجها، وقد لا تعقبها؛ وذلك أنه ليست الأسباب والمقدمات هي التي تنشئ الآثار والنتائج، وإنما هي الإرادة الطليقة التي تنشئ الآثار والنتائج كما تنشئ الأسباب والمقدمات سواء (لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً)(2).
فكتاب(الظلال) ألفه صاحبه بعد أن عاش مع كتاب الله يقرأه في خشوع، ويتدبره في إيمان صادق بهذا الكتاب المعجز الذي صلح عليه أمر الدنيا والآخرة، والذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والذي يهدي للتي هي أقوم، ومن ثم كان منهج قطب في فهم النص القرآني حق الفهم إنما ينبع من النفس التي آمنت بهذا القرآن منهاجاً للحياة، وجاهدت في سبيل سيادة هذا المنهاج، وتحملت كل ألوان العنت والأذى من أجل إعلاء كلمة الله. قال في هذا:
فالقرآن لا يدركه حق إدراكه من يعيش خالي البال من مكابدة الجهد والجهاد لاستئناف حياة إسلامية حقيقية، ومن معاناة هذا الأمر العسير الشاق، وجرائره وتضحياته وآلامه، ومعاناة المشاعر المختلفة التي تصاحب تلك المكابدة في عالم الواقع، وفي مواجهة الجاهلية في أي زمان.
إن المسألة في إدارك مدلولات هذا القرآن وإيحاءاته ليست هي فهم ألفاضله وعباراته، ليست هي تفسير القرآن كما اعتدنا أن نقول، المسألة ليست هذه، إنما هي: استعداد النفس برصيد من المشاعر والمدركات والتجارب تشابه المشاعر والمدركات والتجارب التي صاحبت نزوله، وصاحبت حياة الجماعة المسلمة وهي تتلقاه في خضم
___________
1ـ البقرة: 216.
2 ـ انظر مقدمة الظلال: 11 ط 8 دار الشروق، والآية: 1 من سورة الطلاق.