ـ(180)ـ
الإسلامي والحضارة الإسلامية.
وكان انضمامه لجماعة الإخوان المسلمين وترأسه لقسم الدعوة(1) فيها بعد المحنة الأولى فرصة لمضاعفة الاهتمام بالدراسات الإسلامية والتأليف فيها، فكان كتابه(في ظلال القرآن) عملاً علمياً فريداً في بابه، فهو ليس تفسيراً بالمعنى المألوف لدى علماء التفسير على اختلاف مدارسهم، ولكنه كاسمه(ظلال للكتاب العزيز)، يعبر عن لمحات ونظرات فكرية تمثل الفهم الواعي للنص القرآني، الفهم الذي يصدر عن إيمان راسخ بهذا النص وحده منهاجاً للحياة الإنسانية، وفي هذا يقول:
وعشت أتملى في ظلال القرآن، ذلك التصور الكامل الشامل الرفيع النظيف للوجود، لغاية الوجود كله، وغاية الوجود الإنساني، وأقيس إليه تصورات الجاهلية التي تعيش فيها البشرية في شرق وغرب، وفي شمال وجنوب، وأسال: كيف تعيش البشرية في المستنقع الآسن وفي الدرك الهابط، وفي الظلام البهيم وعندها ذلك المرتع الزكي وذلك المرتقى العالي وذلك النور الوضيء؟!
وعشت في ظلال القرآن أحس التناسق الجميل بين حركة الإنسان كما يريدها الله، وحركة هذا الكون الذي أبدعه الله، ثم أنظر فأرى التخبط الذي تعاني منه البشرية في انحرافها عن السنن الكونية، والتصادم بين التعاليم الفاسدة الشريرة التي تملى عليها، وبين فطرتها التي فطرها الله عليها، وأقول في نفسي: أي شيطان لئيم هذا الذي يقود خطاها إلى هذا الجحيم ؟
ثم يقول: وفي ظلال القرآن تعلمت أنه لا مكان في هذا الوجود للمصادفة العمياء، ولا للفلتة العارضة (إنا كل شيء خلقناه بقدر)(2) (وخلق كل شيء فقدره تقديراً)(3).
وكل أمر لحكمة، ولكن حكمة الغيب العميقة لا تنكشف للنظرة الإنسانية القصيرة (فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً)(4).
_______________________
1 ـ جريدة عكاظ 19، ذي القعدة 1388.
2 ـ القمر: 49.
3 ـ الفرقان: 2.
4 ـ النساء: 19.