ـ(17)ـ
وتمثل سورة نوح(عليه السلام) صورة رائعة عن هذا التطور والمواجهة التي حصلت في بدايات هذا التحول في التاريخ البشري كما يظهر في قوله تعالى: ( قال رب إني دعوت قومي ليلاً ونهاراً _ فلم يزدهم دعائي إلاّ فراراًَ _ وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكباراً _ ثم إني دعوتهم جهاراً _ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسراراً _ فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً _ يرسل السماء عليكم مدراراً)(1).
كما أشار القرآن الكريم في مواضع عديدة إلى هذا النوع من الاختلاف، وبشكل عام في الآية(213) من سورة البقرة، وفي مثل قوله تعالى: (إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلاّ من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب)(2). (تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فزين لهم الشيطان أعمالهم فهو وليهم اليوم ولهم عذاب أليم _ وما أنزلنا عليك الكتاب إلاّ لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون)(3). (وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربياً لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير _ ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة ولكن يدخل من يشاء في رحمته والظالمون مالهم من ولي ولا نصير)(4).
ولعل هذا النوع من الاختلاف هو الذي أشار إليه إبليس في محاورته مع الله سبحانه وتعالى وتوعده للإنسان، تعبيراً عن الحالة التي كان عليها إبليس في موقفه من السجود لآدم وتمرده على الله تعالى، حيث انطلق في ذلك من الهوى والأنا والشعور
______________________
1 ـ نوح : 5 ـ 11.
2 ـ آل عمران : 19.
3 ـ النحل : 63.
4 ـ الشورى : 7 ـ 8.