ـ(16)ـ
وقد كان لهذا التطور الجديد أن يرتقي بالحياة الإنسانية في فهمها للحياة وللكون، وفي تشخيص معالم الفطرة في النفس الإنسانية وتوضيحها ضمن صيغ وقوانين محددة، كما تم تشخيص مواضع القسط والعدل، والظلم والجور، ومعالم الصلاح والفساد، والخير والشر، والحسنة والسيئة، والمعروف والمنكر، والأخلاق بجانبيها: المحمود والمذموم. وكما توضحت سبل وأساليب الارتباط بالله تعالى وعبادته وحمده وشكره وتسبيحه وتقديسه، كل ذلك من خلال الرسالات السماوية.
وفي مقابل هذا التطور الجديد والضروري الذي يمثل الرحمة الإلهية تطور الامتحان والاختبار لهذا الإنسان، متناسقاً مع درجة التكامل الجديدة التي أخذ يواجهها هذا الإنسان. فحدث نوع جديد من الاختلاف، وهو: الاختلاف في العقائد الإلهية من خلال تأثير الهوى في الإنسان، حيث سيطر على سلوك بعض الناس، وتحول إلى إله يعبد من دون الله، فانحرف هذا الإنسان عن فطرته التي اختفت تحت ركام السيئات والذنوب والانحرافات والآثام والشهوات، الأمر الذي أدى إلى التمرد على الله تعالى، ورفض الإنسان الاستماع إلى نداءات الرسل والأنبياء في التوحيد الإلهي، أو في الإيمان بالوحي والرسالة، أو الإيمان بالمعاد والنشور، وحتى النداءات الأخلاقية والإصلاحية للمجتمع وللإنسان، في تحقيق العدل والقسط، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا التحول في الأوضاع الإنسانية والبشرية، وهذا النوع من التمرد في مثل قوله تعالى: (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون _ وقالوا ما هي إلاّ حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلاّ الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلاّ يظنون)(1).
___________________
1 ـ الجاثية : 23 ـ 24.