/ صفحه 438 /
لها ظاهر يستطيعون التلاعب به، كالذي روى من أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رأى زينب وهي متبذلة وقد انحسرت ثيابها عن بعض جسمها فهاله منظرها، وأحس في قلبه حباً لها فقال: سبحان مقلب القلوب! وبعض هؤلاء المترصدين يبالغ في التخيل فيصور محمدا وقد رأى زينب متمددة في فراشها قد خلعت ثيابها إلا لبسة المتفضل، فملكت عليه فؤاده، وشغفته حباً، وأحس بذلك زيدٌ مولاه، فجاء إليه يخبره بأنه قد اعتزم طلاقها، فقال له الرسول: اتق الله وأمسك عليك زوجك، يريد ذلك أن ينفي عن نفسه ما خالجها من حب هذه الزوجة واعتزامه أن يتزوجها إذا طلقت.
وهكذا هاموا في أودية الضلال والخيال، ولم يقدروا أن زينب هذه كانت بنت عمته، وأنه كان يراها منذ كانت طفلة، ويعرفها كما يعرف المرء قرائبه، وأنه هو الذي زوجها من مولاه زيد مع أنها قرشية من بنات عماته، وزيدٌ مولى من الموالي، وقد كانت هي وأخوها حين أمرهما رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذا الزواج معارضين في قبوله، كما يدل على ذلك ما نزل في سورة الأحزاب حثاً لهما إذ يقول جل شأنه: " وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله امراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا " ثم أذعنا بعد نزول هذه الاية، وقبلت القرشية الشريفة الحرة أن تتزوج مولى من الموالي نزولا على أمر الله ورسوله، وبدأت خطةٌ تشريعية لوحظت في تنفيذها العوامل النفسية للمجتمع، واختير لتنفيذها أكبر رجل في هذا المجتمع، وللأفعال إذا باشرها موضع القدوة تأثيرها وسحرها في طاعة المقتدين المؤمنين، وذلك يذكرنا بمشورة أم سلمة على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن ينحر هديه، ويحلق رأسه، حين تردد المؤمنون في قبول أمره، فكان ذلك منها مشورة موفقة، ورأى المسلمون رسول الله يفعل ذلك، ففعلوه بعد أن كانوا مترددين، وكان يخشى عليهم أن تصيبهم مصيبة بعصيانهم الرسول، ومخالفتهم عن أمره.