/ صفحه 435 /
لا يفترون عن ذلك عاماً واحداً، وكانوا يخرجون من معركة إلى معركة، ومن غزوة إلى غزوة، وكان رجالهم وشبابهم حصيدا لهذه الحروب وتلك الغزوات، وكانت نساؤهم وأطفالهم ضحايا لها، وكم من بيوت فقدت عمادها، واحتسبت رجالهان وكم من نساء تأيمت، ومن أطفال تيتمت، وقد استمر هذا شأن المسلمين حتى بعد وفاة الرسول صلوات الله وسلامه عليه، فقد كانت حروب الردة، وحروب الفتح ونشر راية الإسلام، فهل كان النبي والمسلمون إذن في حاجة مع هذه الظروف إلى أن يتبينوا: هل تعدُّدُ الزوجات له مبررٌ أو ليس مبرر؟ إنهم يعيشون فعلا في هذا المبرر العام، يراه كل إنسان ويشهده ويلمسه، فسكوت الروايات عنه ليس لأنه غير موجود ولا مشترط، ولكن لأنه موجود وجوداً واضحاً حتى لا يحتاج إلى الكلام فيه، ولا إلى مراقبة المجتمع في شأنه ليعلم الرسول أو أصحابه هل تحقق شرط المبرر أو لم يتحقق، فإنه متحقق تحققاً عاماً بهذه الحروب وهذه الغزوات، تحققاً أغناهم عن المراقبة والمحاسبة.
الثاني: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، كان يطبق ذلك على نفسه في صورة واضحة، دقيقة، فما تزوج امرأة قط إلا كان له من هذا الزواج هدف إما راجع إلى مصلحة الإسلام وتركيز دعوته، وإما راجع إلى غرض إنساني نبيل، وإما إلى غرض تشريعي وضعت خطته بأمر الله وكان أمر الله مفعولا.
ومن قرأ سيرة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وتأمل ظروف حياته، وظروف زواجه في كل زوجية عقدها لنفسه، فإنه يلمس ذلك واضحاً بينا، ويعرف أنه يمقتضى كونه (صلى الله عليه وآله وسلم) شهيداً على المسلمين؛ عليهم أن يرجعوا إلى حكمه وعلمه وما كان يطبقه فيلتزموه ويتخذوا منه تفسيراً لكتاب ربهم حين يختلفون في جزئية من جزئيات هذا التفسير، كهذه الجزئية في التعدد.
وإذن فلا يقلْ أحد: اين كان هذا القيد، وكيف غاب فلم يعرف في زمن الرسول، ولا في زمن أصحابه لأن الواقع أنه عُرِف وطبق تماما في عهد الرسول وفي عهد الأصحاب، وهما الحجة والمرجع.
* * *