/ صفحه 434/
إما أن يبيح التعدد إباحة مطلقة كما كان عليه الأمر في الجاهلية، فيكون للرجل أن يتزوج من النساء ما يشاء دون قيد ولا شرط، وهذا لا خلاف بين أحد من المسلمين، بل ولا غير المسلمين، في أنه فوضي ومجافاة للطبيعة، وإسراف في منح الرجال مالا يستطعونه، ومالا يستقيم أمر المجتمع عليه، وإما أن يقصر الرجل على زوجة واحدة ولا يبيح له أن يتزوج غيرها معها بحال من الأحوال، وهذا طرف آخر مقابل للطرف الأول تمام المقابلة: فهناك حرية تامة ليس عليها أي قيد، وهنا تضييق تام ليس فيه للرجال ولا للمجتمع أي منفذ، وكلاهما إسراف وتطرف، وما كان الإسلام ليرضى بأحدهما، فلم يبق إلا أن يسلك سبيلا وسطاً بين هذا وذاك، يلاحظ فيه مبدأ التحديد ومبدأ التسامح كليهما، وقد جاء التشريع في هذا الشأن محققاً هذه الوسطية:
فحدد الزوجات بأربع، باعتبار أن الرجل لا يستطيع أن يقيم العدل، وأن ينهض بأعباء الزوجية عادة، في أكثر من هذا العدد.
ثم لم يجعل التعدد إلى الأربع أمراً مباحا دون ضابط، فمن شاء فعله بمطلق حريته ـ ولو كان لاهم له إلا الشهوة وأن يكون من " الذواقين " الذي يتنقلون بين الزوجاب، فإذا انتهى نصاب الأربع، لم يقفوا بشهواتهم عنده، فطلقوا واحدة، ليتبدلوا بها غيرها وهكذا ـ ولكنه قيد التعدد بقيد حين يعتزمه الرجل وهو أن يكون له مبرر، وقيد يجب أن يلاحظه ويعلمه في نفسه، وهو أنه سيكون عادلا منصفاً بين زوجاته، لا ظالما ولا محملا نفسة مالا يطيق، فكان بذلك وسطاً، وكان صراطاً مستقيما.
وأما حكم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي يرشد إلى ذلك ويكون شهيداً على المسلمين، فيظهر من أمرين:
أولهما: أن عهد الرسالة الإسلامية التشريعية بالمدينة حين شرع الإسلام قصر التعدد على أربع، وأبطل ما كان عليه الجاهلية من إباحة التعدد إلى أي عدد، أقول: إن عهد الرسالة الإسلامية حينئذ كان عهد جهاد وحروب وغزوات، فكان المسلمون