/ صفحة 49/
قال الرسول: فإن لم تجد؟ قال: فبسنة رسول الله. قال: فإن لم تجد؟ قال: أجتهد برأيى. فأقره على ذلك ـ وما كان يمكن أن ينزل الكتاب والسنة على غير هذا الاجمال والتعميم، لأن هذه الشرعة إنّما نزلت لكل زمان ولكل مكان ـ ((و ما أرسلناك الا كافة للناس بشيراً ونذيراً)) .
ولو أن صاحب الشريعة عنى بالتفاصيل والجزئيات لوجب أن يقدر ما سيكون عليه العالم من نظم مختلفة واختراعات مستحدثة في جميع الأمكنة والأزمنة فيضع لها ولما تفرع عنها التفاصيل ولو أنه فعل ذلك لما اتسع وقت الرسالة لهذا كله، بل لأعرض الناس عن هذه الدعوة لتعقدها ولأنها تضمنت أحكاماً عن جزئيات ومخترعات لا تقع تحت حسهم ويصعب عليهم تصورها لأنها لم تعرف في زمانهم ولنضرب لذلك مثلا فقد نزلت بالقرآن آية تضمنت الحكم العام لآداب التلاوة وجرت على نسق مختصر ((و إذا قرىء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون)) وحدث بعد نزولها بنيف وألف وثلثمائة عام أن اخترع المذياع (الراديو والتلفزيون) ولما بدىء باذاعة آيات الذكر الحكيم به بدأ التساؤل عن حكم الشرع والدين في ذلك أحلال هو أم حرام؟ وهل يصح اذاعته في مقهى عام والناس عن الاستماع لاهون؟ وهل تصح اذاعته في منتدى ترتكب فيه الآثام والموبقات وتدار كئوس الخمر؟
لا بدع في أن حكم هذه الجزئية لم يرد بنص صريح في الكتاب أو السنة، وأن ذلك ترك للاجتهاد على هدى الحكم العام الوارد بالآية الشريفة. لا بدع في ذلك إذ لو أريد للشريعة أن تتضمن الأحكام المفصلة لجميع الفروع والجزئيات لوجب أو لا افهام الذين نزل عليهم الدين وقت الرساله ما هو الراديو، وما هو التلفزيون، ولو حاول الرسول ذلك وقال لهم أن مخترعات البشر باذن الله ستجىء للعالم بعد ألف وثلثمائة عام بآلة يستطيع بها الواحد أن يسمع ويرى صورة المتحدث وهو على بعد آلاف الفراسخ وا لأميال لما صدقوه لعدم امكانهم تصوره ولجادلوه فأكثروا جداله في كنه تلك الآية، ولما لزمتهم حجته في أن ذلك الذي