/ صفحة 48/
وجهان: الأول أن الله سبحانه وتعالى بين في كتابه الفرض أو الحد أو الحكم بياناً شافياً لا حاجة معه إلى تأويل أو تعليل أو بحث، والثانى أنه سبحانه جلت قدرته أنزل الفرض أو الحكم في كتابه بنص عام، ثم أمر رسوله وحيا أو الهاما أن يبين للناس كيف يكون أداء هذا الفرض وتفصيل ذاك الحكم، أما كيف بيّن الرسول الفرض أو الحكم العام فبواحدة من اثنتين اما بالقول (السنة القولية ـ الأحاديث) واما بالعمل كأن يصلى بالناس فيعلموا أن الصلاة التي فرضت على المؤمنين كتابا موقوتا لها كيفية وشرائط وأحكام ولكل صلاة ركعات معدودات. وتلك هي السنة ثانى مصادر الشريعة الإسلامية، ولقد تضمنت الأحاديث النبوية نصوصا لأصول بعض الأحكام الشرعية وأمرنا الكتاب باتباعها والأخذ بها ((و ما ينطق عن الهوى ان هو الا وحى يوحى ـ من يطع الرسول فقد أطاع الله ـ وما آتاكم الرسول فخذوه وما نها كم عنه فانتهوا ـ هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة)) .
ولكن النصوص الشرعية للأحكام التي وردت في الكتاب والسنة قليلة إذا ما قيست بمواد القانون في أية شريعة وضعية، إذ الآيات القرآنية التي تضمنت أصول الأحكام على ما أحصاها ابن قيم الجوزية لا تعدو مائة وعشرين آية من نيف وستة آلاف آية، أما الأحاديث فخمسائة من أربعة آلاف حديث، ولقد أراد الله بذلك أن يهىء للناس فرصة الاجتهاد في الفروع دون الأصول، فجعل النصوص الأصلية لقواعد الشريعة عامة دون التعمق في التفاصيل ليتسع لها عقل من نزل فيهم القرآن، وليترك للقوى الإنسانية التي أودعها مخلوقاته فرصة العمل والتفكير والتدبير واستنباط الأحكام فيما لا نص فيه من كتاب أو سنة، لما يجد ويعرض لهم في حياتهم من مشاكل وأقضية تخلتف باختلاف الزمان والمكان، وهذا هو الاجتهاد، وهو أحد مصادر الشريعة المحمدية.
ومشروعية هذا المصدر ثابتة من حديث معاذ بن جبل، إذ أنه لما بعثه الرسول صلوات الله عليه وسلامه إلى اليمن، قال له: بم تقضى يا معاذ؟ قال: بكتاب الله