/ صفحة 50/
يقوله ليس من عنده وإنّما هو من عند الله لأن الحجة لا تلزمها صفة الاقناع الا متى دخلت مناط العقل، أما إذا كانت فوق ادراك المرسل إليهم فهى داحضة. ولعله ليس بخاف علينا ما ثار من الجدل لا بين العامة فحسب، بل بين العلماء والفقهاء في حقيقة الاسراء والمعراج أكانا بالروح أم بالجسد، أم كانت رويا. ولعله بعد أن اخترع عباد الله التلفزيون لا ننكر على قدرة الله أن يكون الاسراء والمعراج بجسد الرسول صلوات الله وسلامه عليه، وصدق إذ قال:
(أمرت أن أخاطب الناس على قدر عقولهم).
ومن أمثلة هذا الاجتهاد أن أبابكر رضي الله عنه قسم مال الفىء فسوّى بين المسلمين جميعاً: الحر منهم والعبد، وجاء عمر من بعده ففضل بعضا على بعض في القسمة، فجعل لأزواج الرسول قدراً معلوماً، وفضل المهاجرين على الأنصار، وفضل أهل بدر على غيرهم، فلما أن ولى عصر علي بن أبي طالب الخلافة سوى بين الجميع في القسمة، ويعقب الإمام الشافعى على ذلك بقوله: ان ما ليس فيه نص كتاب ولا سنة إذا طَلَبَ بالاجتهاد فيه المجتهدون وَسِعَ كلا ان شاء الله تعالى، وفي الحديث. (إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر).
ومن أمثلة الاجتهاد في صدر الإسلام ما قضى به علي بن أبي طالب في شأن مُمسِك المقتول للقاتل، وخالفه فيه الإمام مالك، وما قضى به على أيضا في شأن ميراث من ولد وله رأسان وصدران في قفص واحد، إلى غير ذلك من الأمثال مما سيجىء ذكره في الباب الثالثمن هذا البحث عند الكلام على مقارنة أحكام الشريعة الإسلامية بالقوانين الوضعية.
ولا ضير في أن يختلف الحكم في المسألة الواحدة باختلاف الحاكمين أو باختلاف الزمان أو باختلاف المكان، إذ المعول عليه أنه ما دام المفتى أو القاضى على علم بأحكام الكتاب والسنة محيطا بها فلا حرج عليه في أن يجتهد فيما لا نص فيه من كتاب أو سنة، وعليه أن يبحث عن شبيه للمسألة فيه نص، فإن وجد حكم بمثله وهذا هو القياس ـ وهو أساس نظام التقاضى في انجلترا،