/ صفحة 47/
ولا يعاب أحدها بذلك، ولا يقال: ان هذه الشريعة آخذة، وهذه الشريعة مأخوذ منها، لأن المصدر في الحقيقة لهذه وتلك واحد، كلتاهما ترجع إليه، وتستمد منه.
والذى نفهمه هو أن الرومان والفرس كانت لهم قوانين موروثة، فيها أحكام من الشرائع السابقة، وأحكام وضعوها في عهودهم المختلفة، منها ما يعاب، ومنها ما لا يعاب، فلما جاء الإسلام لم يكن من أهدافه أن يهدم كل ما سواه، لا يفرق بين الصالح والفاسد، وحاشاه أن يرمى إلى ذلك وهو دين الفطرة السليمة والحق والخير والصلاح أينما كانت، ولكنه جاء بقواعد عامة للمعاملات وغيرها من النظم الدنيوية اتسعت لذلك الجزء الصالح من التشريعات السابقة، فأقرها الرسول أو أقرها أصحابه من بعده أو أقرها علماء أمته فيما بعد، فهل في ذلك من عيب؟ وهل فيه ما يسّوغ الادعاء بأن الشريعة الإسلامية نَقْل عن الشريعة الرومانية؟ أظن لا، ولقد كان من محاسن الإسلام أن يحترم ما اصطلح عليه الناس وتعودوه ما دام حسنا، بل احترمه ولو كان نقصا ما دام صالحا للتطور وعدّله وقوَّمه، لأن ذلك أدعى إلى قبول الدين وسهولة ذيوع الدعوة إليه، ولأن ذلك هو الفطرة، وكم من تشريع أقره الإسلام فتره من الزمن، فلما امتلأت النفوس بالايمان، ورسخت العقائد في الأذهان نسخه الله بسواه، تلك هي سنة التدرج وهى من سنن الوجود التي أودعها الله هذا العالم.
الباب الثانى ـ في مصادر الشريعة الاسلاميد بايجاز، وفي أن الاجتهاد وهو أحد مصادرها وسع كل تطور تشريعى:
الكتاب هو أصل الدين الإسلامي، وهو كلام الله المنزل على نبيه المرسل، وقد تحددت به حدود الشريعة، ففرق بين الحلال والحرام، وتضمن أوامر الله ونواهيه، وفرض على الناس الفروض، ونظم لهم أمور الحياة من معاملات إلى اقتصاد إلى اجتماع ((ما فرطنا في الكتاب من شيء)) ولكن للأمر في جميع ما ذكر