/ صفحة 19 /
كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون). (لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون).
وقد تلقى المسلمون الأولون هذا المبدأ العظيم، وعرفوا به مسئوليتهم عن الناس، ومسئولية بعضهم عن بعض، فدعوا غيرهم إلى الحق، وقاموا فيما بينهم بالنصح والإرشاد، وتقبل المنصوحون من الناصحين شاكرة ألسنتهم، مطمئنة قلوبهم، فاستقامت لهم الشئون، وتقدمت بهم الحياة، وكانوا أقوياء أعزاء يملون ولا يملي عليهم، ويقولون ويفعلون ما يقولون، وظلوا كذلك حتى نبتت فيهم جراثيم الهوى والشهوة، فأفسدت عليهم تصورهم للحياة، وظنوها مادة عليها يتنافسون، وأموالا وجاها وملكا بها يتفاخرون، فانحلت من بينهم الروابط، واندفعوا في طريق الجاهلية الأولى، يرون المنكر فيسكتون عنه، بل يدافع كل منهم عن سفهائه، ويتعصب لأوليائه، ونسوا بذلك حبل الله فأنساهم الله أنفسهم، وسلط عليهم شرارهم وأعداءهم، وكاد يحل بهم ما حل بالأمم قبلهم، وتعرضوا للعذاب العظيم، وكتاب الله قائم بينهم، وناطق بالحجة عليهم، يحذرهم وينهاهم أن يسلكوا سبيل المفسدين، وأن يفعلوا كما فعل الذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات.
* * *
أما النداء الثالث فهو قوله تعالى.
(يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفى صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون، هأنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور).