/ صفحة 20 /
إن كتاب الله يضع للمؤمنين الحد الفاصل بين من يصح مخالطتهم والتعاون معهم من المخالفين في الدين، ومن لا يصح معه ذلك، كما يبين مدى هذا التعاون وحدوده، فإنه لم يجعل مجرد المخالفة في الدين سببا من أسباب الحرب والخصام، أومن أسباب التقاطع وعدم التعاون، وإنما جعل السبب في ذلك العداء الذي يدفع المخالفين إلى إيذاء المسلمين، وفتنتهم عن دينهم، وإخراجهم من ديارهم وأوطانهم، وسلب حقوقهم، وخنق حرياتهم، والاعتداء عليهم، ولذلك يقرر حسن معاملة المخالفين الذين لم يكن لهم من عداوة المؤمنين، ما يدفعهم إلى البغي والعدوان، وفي هذا يقول الله تعالى.
(لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطن. إنّما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولَّوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون).
فهذا الصنف الأخير من المخالفين الذين يبارزون المسلمين بالعداء، أو بالمظاهرة للأعداء، هم الأعداء الذين يجب على المؤمنين إن يحذروهم، وأن يبتعدوا عن موالاتهم، حذراً من الوقوع في شرهم، وقد كثرت آيات التحذير في القرآن الكريم عن موالاة هؤلاء، وجعل القرآن مودتهم مظهراً من مظاهر عدم الإيمان بالله واليوم الآخر، وخروجاً على جماعة المؤمنين، وهدما لشخصيتهم التي بها يعتزون (لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم) (يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من ون المؤمنين. أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا) (يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهاداً في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء