/ صفحه 352/
وقد اختلف العلماء في تجزأ الاجتهاد وعدمه، والأكثرون منهم على تجزئه، ومنهم حجة الإسلام الغزالي والشيخ ابن الهمام، وقد استدلوا لذلك بأن التقليد في حال القدرة على الدليل فيه ترك للعلم واتباع للريب وهذا منهي عنه بقوله عليه الصلاة والسلام: " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك " وقوله: " استفت قلبك وإن أفتاك المفتون " قال في مسلم الثبوت: ومن له حسن أدب بأحكام الله تعالى لا يتعدى هذا الاصل.
وفي المستصفى للغزالي: اجتماع هذه العلوم الثمانية إنما يشترط في حق المجتهد المطلق الذي يفتي في جميع الشرع، وليس الاجتهاد عندي منصباً لا يتجزأ بل يجوز أن يقال للعالم انه مجتهد في بعض الأحكام دون بعض، فمن عرف النظر القياسي فله أن يفتي في مسألة قياسية وإن لم يكن ماهراً في علم الحديث، ومن عرف احاديث قتل المسلم بالذمي، وطريق التصرف فيها فلا يضره قصوره عن علم النحو الذي يعرف به قوله تعالى: (وامسحوا بروؤسكم وأرجلكم إلى الكعبين) وقس عليه ما في معناه.
وفي كتاب الإحكام للآمدي بعد أن نص على شروط المجتهد قال: وذلك كله إنما يشترط في المجتهد المطلق المتصدي للحكم والفتوى في جميع المسائل، وأما الاجتهاد في بعض المسائل فيكفي فيه أن يكون عارفا بما يتلعق بتلك المسألة وما لابد منه فيها، ولا يضره في ذلك جهله بما لا تعلق له بها مما يتعلق بباقي المسائل الفقهية.
المكلف إذا حصلت له أهلية الاجتهاد بتمامها في مسألة من المسائل، فإن اجتهد فيها وأداه اجتهاده إلى حكم فيها فقد اتفق الكل على أنه لا يجوز له تقليد غيره من المجتهدين في خلاف ما أوجبه ظنه، وإن لم يكن قد اجتهد فقد اختلفوا فيه، والمعتمد أن يقال إن القول بجواز التقليد حكم شرعي لابد له من دليل والأصل عدم ذلك الدليل، فمن ادعاه فعليه البيان.
هذه آراء علماء الأصول في الاجتهاد الجزئي، وهي صريحة في حرمة التقليد