/ صفحه 351/
واللغة، والنحو، والمنطق، وجمع الحديث كله، وميز صحيحة من فاسده، وفرغ الناس من تدوين سير الرواة، وأصبحت كتب هذه الفنون تضمها مكتبات للأفراد والحكومات في كل قطر من الأقطار الأسلامية، وهذا لم يكن ميسورا لأحد في العصور الأولى، ومذاهب الفقهاء جميعهم مدونة، وأدلتها معروفة.
والواقع أنه في أكثر المسائل التي عرضت للبحث، وأفتى الفقهاء فيها، لم يبق للمجتهد الا اختيار رأي من آرائهم فيها، أما الحوادث التي تجدّ فهي التي تحتاج إلى آراء محدثة وأن حفظ آيات الأحكام جميعها وفهمها فهما صحيحاً، ومعرفة الناسخ والمنسوخ، وحفظ مواقع الاجماع، لا يحتاج إلى المجهود الذي يبذل لفهم مرامي كتاب من كتب الأزهر المعقدة.
إن الزمن لم يغير خلقة الإنسان، والعقول لم تضمر، والطبيعة باقية في الإنسان كما كانت في العصور الماضية، وها هم أولاء علماء الأمم يحدوهم الأمل إلى بلوغ أقصى ما يتصوره العقل البشري ويصلون إليه بجدهم واجتهادهم، وقد كان أسلافهم في عماية وجهل، وكان أسلافنا في نور العلم وضياء المدنية، لم يقل أحد منهم بقصور العزائم، ولا بتراخي الهمم عن البحث التنقيب، بل كلما مر عليهم الزمن جدوا في البحث التنقيب، وكثرت وسائط البحث والتنقيب.
وإني مع احترامي لرأي القائلين باستحالة الاجتهاد، أخالفهم في رأيهم، وأقول ان في علماء المعاهد الدينية في مصر من توافرت فيهم شروط الاجتهاد ويحرم عليهم التقليد.
الاجتهاد الخاص:
ندع الاجتهاد المطلق وما يقال فيه من غير تبصر، ونتحدث عما يسعى الاجتهاد الخاص، أو الاجتهاد الجزئي وهو الاجتهاد في واقعة خاصة للوصول إلى معرفة حكمها الشرعي بالدليل، والقادر على هذا النوع يحرم عليه التقليد في المسألة التي يقدر على الاجتهاد فيها.