/ صفحه 350/
عن أسانيدها، أما الأحاديث التي ليست كذلك فيكفيه فيها تعديل الأئمة العدول لرواتها بعد أن يعرف مذاهبهم في الجرح والتعديل، وأنها مذاهب صحيحة.
ومعظم هذه الشروط يشتمل عليه ثلاثة فنون: الحديث، واللغة، وأصول الفقه، ولقد جمع العلماء آيات الأحكام في غير ما كتاب، وجمعوا أحاديث الأحكام في غير ما كتاب، وجمعوا الناسخ والمنسوخ في غير ما كتاب، وجمعوا مواقع الاجماع في غير ما كتاب، وأصبحت الأحكام مدونة في كتب الفقه وفي شروح الحديث وكتب التفسير.
وقد انتهى زمن الرواية للحديث وأصبحت الأمة تعتمد على الكتب المدونة كما تعتمد على آراء أئمة الجرح والتعديل في الرواة، ومع هذا فكتب الرجال موفورة تضم سيرهم وأحوالهم ولا يعسر على طلاب العلم البحث عن رواة أي حديث من الأحاديث.
واللغة العربية وفنونها من نحو وصرف وأدب وبلاغة تدرس في معاهد مصر الدينية وغيرها دراسة دقيقة تكفي لفهم خطاب العرب، كما يدرس أصول الفقه على أدق الوجوه وأكملها، وتدرس الأدلة وشروطها، وغير ذلك مما نص على الغزالي وما لم ينص عليه.
وليس مما يلائم سمعة المعاهد الدينية في مصر أن يقال عنها إن ما يدرس فيها من علوم اللغة والمنطق والكلام والأصول لا يكفي لفهم خطاب العرب ولا لمعرفة الأدلة وشروطها، وإذا صح هذا، فيالضيعة الأعمار والأموال التي تنفق في سبيلها.
ليس الاجتهاد ممكنا عقلا فقط، بل هو ممكن عادة، وطرقه أيسر مما كانت في الأزمنة الماضية أيام كان يرحل المحدث إلى قطر آخر لرواية حديث، وأيام كان يرحل الرواة لرواية بيت من الشعر، أو كلمة من كلم اللغة، وقد توافرت مواد البحث في كل فرع من فروع العلوم: في التفسير، والحديث، والفقه،