/ صفحه 341/
في الاولين والاخرين بأن في القرآن محكما ومتشابها، وأن المحكم ما فهمه الناس، وعرفوا دلالته ومعناه، وأن المتشابه ما لم يفهمه الناس ولم يعفروا دلالته ومعناه، وأن العلماء كانوا أمام هذا المتشابه فريقين: فريق السلف يرى التفويض وعدم الخوض في معناه، وفريق الخلف يرى التأويل وصرف اللفظ عن دلالته المعروفة إلى معنى يتفق مع ما دل عليه المحكم، ويعتبرون من ذلك أمثال قوله تعالى: " الرحمن على العرش استوى ". " يد الله فوق أيديهم ". " بل يداه مبسوطتان ". " والارض جميعاً قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه ". فهل كل ذلك لا يكفي في أن في القرآن ما لا يعرف معناه وراء فواتح السور ؟
ونقول اولا: نعم كان كل ذلك، وقرأناه عن السلف والخلف، ولكن يفوت هذا لقائل ان العلماء اختلفوا فيما بينهم في معنى المتشابه الذي قوبل بالمحكم في قوله تعالى: (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن ام الكتاب وأخر متشابهات) وكان لهم في ذلك أقوال كثيرة ينسب بعضها للمتكلمين، وبعضها للأصوليين، وبعضها لغير هؤلاء وهؤلاء، وقد اشتهر من بين هذه الاقوال قولان: أحدهما ما يلمح القائل إليه، وخلاصته ان المتشابه هو ما يوهم ظاهره معنى لا يليق بجلال الله، ولا يتفق مع دلالة المحكم في تنزيه الله عن صفات الحوادث، فإما أن يؤمن به المسلم على وجه لا يتنافى مع التنزيه، ولا يجنح إلى تعيين المراد منه بالتأويل، فيبقى له سره محفوظا في الغيب الذي لا يعلم حقيقته الا الله، وإما أن يصرفه عن ظاهره، ويعين له معنى يدل عليه ويؤمن به على هذا الوجه، وذلك، كأن يقال كما قالوا: الاستواء بمعنى الاستيلاء، واليد بمعنى القدرة، واليمين بمعنى القوة، وبسط اليدين بمعنى كثرة المنح والعطاء، إلى غير ذلك، وعلى هذا الوجه لا يكون من المتشابه بمعنى ما أستأثر الله بعلمه، وإنما هو من المتشابه الذي يحتاج في معرفة معناه إلى الرجوع للمحكم فيعلمه أرباب القدرة على هذا وهم الراسخون في العلم، والامر على هذا الرأي الاخير واضح في ان القرآن ليس فيه متشابه بمعنى ما استاثر الله بعلمه.