/ صفحه 340/
جيل، الا قطرة أو قطرات من بحر خلق الله الذي لا يعرف مداه سواه " قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل أ ن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا ". " ولو أن ما في الأرض من شجرة اقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله ان الله عزيز حكيم ".
وإن في قوله تعالى وهو بصدد الحديث عن الاسراء بعبده من المسجد الحرام إلى المسجد الاقصى " لنريه من آياتنا " وقوله وهو بصدد الحديث عن الايحاء إليه " لقد رأى من آيات ربه الكبرى "، لتَنبيها لقلوب المؤمنين إلى أن في مكنون هذا الكون، وفي باطن خلق الله ما لا تدركه العقول، ولا تصل إليه الأفهام، " وما أوتيم من العلم الا قليلا " وإذا كانت هذه لمحة ترشدنا إلى أن في الخلق أسراراً لا تدرك للعباد، فان في الصلاة من جهة أعداد ركعاتها وأوقاتها وكثير من وسائلها وكيفياتها، وفي الزكاة والكفارات وسائر المقادير المشروعة المطلوبة، للمحات أخرى واضحة جلية في أن لله أيضا في تكاليفه ما يعجز البشر عن ادراك اسراره، وما عليهم الا ان يؤمنوا ويمتثلوا، فتصدق فيهم العبودية، ويخلص منهم الايمان، وما كان القرآن الا شأنا من شئون الله جرت فيه سنته في الخلق والتكليف، فلم يخل من حروف استأثر بها علم الله، وثبت بها قصور البشر دون أن يمس ذلك مقاصد القرآن، أو ينقص من وضوح القرآن وبيان القرآن.
وعلى هذا فنحن نؤمن بأن في القرآن سرا لا يدركه البشر هو معاني هذه الاحرف التي جاءت في فواتح السور، ولكن لا ينبغي أن نتوسع فنطرد هذا المبدأ فيما وضحت دلالته العربية، وثبت عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) بيانه، فنزعم كما زعم أناس من قبل أن للقرآن ظاهرا يدل عليه ويفهمه العامة، ويكلفون به، وباطنا لا يفهمه الا الخواص من عباد الله وهم مكلفون به، فتلك نزعة فرقت المسلمين، وضرب بعضهم بها رقاب بعض.
ولعل قائلا يقول: كيف لا يكون في القرآن سر غير مدرك للبشر سوى معاني هذه الاحرف التي نتحدث عنها، وقد استفاض الحديث، وامتلأت الكتب