/ صفحه 342/
وبينما يرى بعض العلماء هذا الرأي في معنى المتشابه، يرى غيرهم أن المتشابه المقابل للمحكم هو ما تعددت جهات دلالته، وكان موضعا لخلاف العلماء، ومحلا لاجتهادهم، وذلك يرجع اما إلى الاختلاف في معنى مفرد ورد في الاية كالقرء في الحيض أو الطهر، أو في معنى تركيب كما نرى في قوله تعالى: " للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فان فاءوا فان الله غفور رحيم، وإن عزموا الطلاق فان الله سميع عليم "، وإما إلى تحكيم حيدث صح عند الفقيه في معنى الاية بينما أن غيره لم يحكمه في معناها لسبب من الأسباب التي يراها، وأمثلة ذلك كثيرة مبسوطة في كتب الخلاف يعرفها أهل العلم بالفقه، وهي المقصودة، " بالامور المشتبهات " في قوله (صلى الله عليه وسلم) " الحلال بين، والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس "، وعلى هذا يكون المتشابه بعيدا عن دائرة ما استأثر الله بعلمه وليس مما نتكلم فيه.
وكما وجدنا المتشابه بهذا المعنى في القضايا الفقهية، نجده ايضا في قضايا أخرى لا تتعلق بصفات الله وتنزيهه، ولا بعقيدة ما، وذلك كما في المسائل العلمية التي عرض لها المتكلمون، واختلفت فيها فرقهم، مثل خلق الافعال، ورؤية البارئ، وحقيقة الميزان والصراط، وزيادة الصفات على الذات وما إلى ذلك من المسائل التي أثر فيها الخلاف بين فريقي المعتزلة وأهل السنة، وكان لكل فريق ـ من القرآن ـ على ما رأى حجته ومستنده، ولا ريب أن خلاف المتكلمين في مثل هذه القضايا هو كخلاف الفقهاء في مذاهبهم وآرائهم، ففي النوعين لم يُرد الله ان يكلف عباده بقضية معينة، بل فتح باب الاجتهاد للعقل البشري ليسلكه الإنسان، ويحقق به نعمة الله عليه في الادراك والفهم، والكل في ذلك مؤمن ناج مرضي عند الله أخطأ أم أصاب، وهذا جانب تكفينا منه في هذا المقام تلك الاشارة، وأرجو أن يكون فيها بلاغ لقوم اتخذوا اختلاف العلماء في المسائل الكلامية التي هي وراء العقائد سبيلا للطعن والتجريج في الإيمان