/ صفحه 339/
إذ لا مستند له يعتمد عليه، ولا قانون يرجع إليه، فلكل ناظر أن يختار ما يخطر على باله من أسماء أو صفات أو قضايا، ويجعل الحروف رمزاً له، ونرى أيضا ان القول بأنها اسماء السور يرده اشتهار السور بأسماء أخرى غير هذه الحروف، كسورة البقرة، وسورة آل عمران، وسورة الاعراف، وسورة مريم، وما إليها فلو كانت أسماء للسور كما يقولون لتواترت على ألسنة أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وعلى ألسنة المؤمنين جيلا بعد جيل، ونرى ان القول الذي نسبوه إلى المحققين من أصحاب هذا الرأي، وهو التنبيه على أن هذا القرآن من مادة الكلام الذي ألفوه وقد عجزوا مع ذلك عنه، قول يعتمد قضيتين تصيدهما القائلون به من الواقع التاريخي لموقف العرب من القرآن، ومن طبيعة هذه الحروف: إحداهما أن هذه من حروف التهجي المعروفة عند العرب التي يتركب منها كلامهم، وأن القرآن مؤلف منها، والاخرى أنهم مع ذلك قد عجزوا عن الاتيان بمثله، وما كان للعرب أن يجهلوا، أو يغفلوا، عن أن القرآن الذي يتلوه عليهم محمد (صلى الله عليه وسلم) هو من هذه الحروف، أما عجزهم عن الاتيان بمثله فهو أمر يعرفونه من أنفسهم، ويعرفه التاريخ عنهم، وقد سجله القران عليهم بالعبارة الواضحة البينة، فليس الامر في القضيتين بمحتاج إلى استخدام رمز كهذا الرمز البعيد الذي لا يستند إلى نقل صحيح، ولا فهم واضح.
هذا وقد نوقش المتكلمون فيما استدلوا به على المبدأ الذي بنوا عليه أقوالهم في معاني أوائل السور، وهو أنه لا يمكن أن يكون في القرآن ما لا يفهم، فقيل لهم: إن وصف القرآن بما وصف به من أنه هدى وتبيان ونحو ذلك لا يبطله ان تجئ في أوائل بعض سوره مثل هذه الحروف التي لم يتعلق بها تكليف أو ارشاد وأنه ما دام واضحا في جملته وفيما قصد به، فلا بأس أن يرد فيه بعض ما استأثر الله بعلمه، تنبيها على القدرة التامة في جانب الربوبية، والقصور في جانب العبودية، وتلك سنة الله في خلقه وتكاليفه، فكم له في الكون من أسرار تنقضي الدنيا ولا تدرك، وكم له في التكاليف من أسرار لا يملك العبد أمامها إلا أن يمتثل، وما هذه المكتشفات التي تتجدد للبشر يوماً بعد يوم، وتنكشف للعلماء جيلا بعد