/ صفحه 338/
أوائل السور " وعن علي رضي الله عنه، " أن لكل كتاب صفوة، وصفوة هذا الكتاب حروف التهجي "، وقد سئل الشعبي عن هذه الحروف فقال: " سر الله فلا تطلبوه " وهكذا ورد عن كثير من الصحابة والتابعين، والفريق الاخر ينكر ان يكون في كتاب الله ما ليس مفهوما للخلق، ويرى ان هذا المبدأ يتنافى مع الاوصاف التي وصف الله بها القرآن من أنه " بلسان عربي مبين "، وأنه نزل " تبيانا لكل شئ "، وانه " هدى للناس " ونحو ذلك من الاوصاف، ويقولون: لو ان فيه ما لا يفهم لما صح فيه وصف من هذه الاوصاف، إلى أدلة أخرى من هذا الوادي، وقد نسب هذا القول إلى المتكلمين، وأثر عنهم في بيان المراد بهذه الاحرف أقوال كثيرة منها: أنها أسماء للسور التي بدئت بها، ومنها أنها رموز لبعض أسماء الله تعالى أو صفاته، فالألف مثلا إشارة إلى أنه تعالى " أحد، أول، آخر، أبدى، ازلى " واللام مثلا اشارة إلى أنه " لطيف " والميم إلى أنه " ملك، مجيد، منان " والعين إلى انه " عزيز، عدل " وروي عن ابن عباس أنه قال في " ألم ": أنا الله أعلم، وفي " الر": أنا الله أرى … إلى غير ذلك مما يروون، ومنها وهو أشهرها ومختار المحققين منهم كما يقولون، أنها حروف أنزلت للتنبيه على أن القرآن ليس الا من هذه الحروف التي عرفوها، وألفوا كلامهم منها، وهم قادرون عليها، وعارفون بقوانين فصاحتها وبلاغتها، فلم يكن القرآن بمادته التي يتألف منها غريبا عليهم، وقد تحداهم الرسول بمثل هذا القرآن، أو بعشر سور، أو بسورة واحدة، فعجزوا، فلو كان من عند غير الله ومادته معروفة لهم لا ستطاعوا أن ينفوا عن انفسهم العجز والخزي، ولما جوبهوا بالعجز الدائم المستمر في مستقبل لا يعلم مداه الا الله " فان لم يفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين ".
وردت هذه الاقوال وغيرها عن المتكلمين الذي يرون ان القرآن لا يمكن ان يحتوي على ما لا يفهم الناس، ونحن نرى بادئ ذي بدء أن القول بأنها رموز للأسماء أو الصفات أو لقضايا وصفية لله سبحانه، قول لا يكاد قلب يطمئن اليه،