ـ(75)ـ
الله تعالى إياه بذلك في قولـه تعالى: [يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من بك وان لم تفعل فما بلغت رسالته](1) مأمور به الوارث ـ كما بينا ـ لقيامه مقام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فثبت قطعا أن (المجتهد المستقل غير المقلد) يحمل (أمانات ووظائف النبوة عينها) إذ لا معنى لهذا الأصل عملا، إلاّ بما يستلزم من تكاليف تلك الأمانات: [وان لم تفعل فما بلغت رسالته] أي: فما بلغت أمانته، وإلا ما كان لوصفها بالأمانة معنى أو وجه معقول!!.
وعلى هذا، صح أن كل ما هو موجه إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو بعينه موجه إلى (المجتهد الحق) في كل عصر، وبيئة، غير مقلد ولا متعصب لرأي إمامه، بل هو مأخوذ رأسا بوجوب التلقي عما بلغ النبي من رسالته، إذ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إمامه، وموروثه، بيانا ومعاني، ومباني وكليات، ومقاصد لا يرم عن ذلك انحرافا أو تقولا أو تبديلا، وتزيدا قيد أنملة! وإلا انخرمت الأمانة، وهذا محرم بإطلاقه!.
وأيضا فيما يتعلق بالحكم، جاء قولـه تعالى صريحا: [انا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله](2) ليفيد أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يحكم باجتهاده فيما لم ينزل فيه وحي، ثم ينزل الوحي مخطئا أو مصوبا، فكذلك من يقوم مقامه إلاّ ما يتعلق بالوحي، ودليل ذلك من نص الآية الكريمة التي تلوناها، ووجه الاستدلال: ـ
إن (الإراءة) في الآية الكريمة من قولـه تعالى [بما أراك الله] لا يمكن أن يصرف معناها إلى (الإراءة) البصرية أو الحسية من الرؤية بالعين، ذلك لأن (الأحكام الشرعية) التي يراد بها أمور معنوية معقولة وذهنية مجردة، لا ترى بالعين حسا، بل تدرك تعقلا كما لا يسوغ أن تفسر (الرؤية) في الآية الكريمة بمعنى
________________________________
1 ـ المائدة: 67.
2 ـ النساء: 105