ـ(74)ـ
كل باب من أبوابها ـ أي: أصبح مجتهدا مطلقا ـ فقد حصل لـه وصف هو سبب في تنزله منزلة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في التعليم والفتيا لما يحمل بين جنبيه من معاني النبوة، وإن لم يكن نبيا) (1).
هذا، ولا ريب أن قيام المجتهد الحق بهذه (المهمة العظمى) خلفا عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في تفهم حقائق رسالته، ومقاصدها الأساسية العليا (وفي أدائها على الوجه الأوفى والأكمل ـ قولا وعملا ـ يعتبر واجباً قطعا، لأنه يؤديها على الوجه الذي أداها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دون تقول، أو تزيد، أو تشويه، أو تحريف، أو ابتداع، ولذا بات من المتفق عليه عند جمهور الأصوليين، أن (الاجتهاد) في تفهم حقائق التشريع، وتحملها، وأدائها، والاستنباط والتطبيق على مقتضى تلك الحقائق كان واجبا كفائيا، وبه يرفع مقام المجتهد إلى مقام الجديرين بأن يخلفوا (النبوة في مهامها) لما تخفق بين جنبيه معانيها، وإن لم يكن نبيا؛ لبلوغه في معراج الاجتهاد والتجديد ـ على النحو الذي فصلنا ـ أسمى مبالغة!!!.
وفي تقرير هذا المعنى العظيم، وتأكيده، يقول الامام الشاطبي، ما نصه: ـ
(إن العالم وارث النبي، فالبيان ـ في حقه ـ لابد منه، من حيث هو عالم لما ثبت من كون العلماء ورثة الأنبياء، وهذا معنى صحيح ثابت، ويلزم من كون العالم وارثا قيامه مقام مورثه في (البيان) وإذا كان (البيان فرضا) على الموروث لزم أن يكون فرضا على الوارث أيضاً، ولا فرق في (البيان) بين ما يفتقر إلى اجتهاد وبين ما هو بين في نفسه) (2).
هذا المعنى الذي يقرره الامام الشاطبي هو: من معنى (التجديد) بالمفهوم الذي حددناه بسبب وثيق!!.
وأيضا (التبليغ الذي اضطلع به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بمقتضى أمر
_________________________________
1 ـ الموافقات: 4: 142 وما يليها.
2 ـ المرجع السابق.