ـ(73)ـ
(صلى الله عليه وآله وسلم) على الملأ إيذانا بوجوبه في كل عصر وعلى رأس كل مائة سنة.
فتلخص: أن المقصود بالتجديد الذي أوجبه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) (على رأس كل مائة سنة) هو: (تجلية حقائق الإسلام) وبيان (مفاهيمه الأساسية الكلية والجزئية) مما يقوم عليه (كيانه التشريعي، والعقائدي، والعبادي، والأخلاقي) صونا لها من التزييف، أو الاختلاط، أو التشويه، أو الإبداع، إذ ربما يرين على تلك الحقائق والمفاهيم ظلمات كثيفة من الفكر الأجنبي المستورد، أو المنافي يغشي على جوهرها، أو ربما يؤثر في تعقلها تيارات ثقافية وافدة منحرفة أو معادية تمازج تلك المفاهيم، فتلتاث بها فكرة التدين، بل وحقائق هذا الدين الحنيف، أو عقائده بما تشوهها (المبتدعات العرفية) المحلية القارة، فتستقر في النفوس على أنها (حقائق من الدين) لبعد العهد بها، وتكرر وقوع تلك المبتدعات، واستحكام ألفها، أو لغفلة الناس عن زيفها وتحريفها، وهذا ـ دون ريب ـ يفتقر إلى الاجتهاد من أهله متجددا يتمثل في بحوث علمية لبيان (جوهر الدين) وإظهار(حقائقه) بما ينزع عنه شوائب التزييف والتشويه في الفهم، ويطهره مما الصق به أعداؤه من قضايا عن طريق التأويل المستكره للنصوص بما لا تحتمل، لا لغة، ولا عقلا، ولا مجازا جاريا على سنن بلاغتها في التوسع اللغوي بما نراه في كل عصر من جانب معظم المستشرقين وأقزامهم الذين يكنون للإسلام عداء متأصلا دفينا، وبما يأتون به من افتراءات ملفقة يلصقونها بالإسلام ليشككوا المسلمين في حقيقة دينهم، أو يزحزحوهم عنه، وهذا الأمر قد بلغ حدا من الأهمية والخطورة ـ في نظر الشارع ـ أن افتقر إلى بعض من المجتهدين المخلصين الأحقاء بالبيان والتبليغ على نحو ما بعث الله رسلا مكرمين.

الاجتهاد وراثة الأنبياء:
وهذا المعنى الجليل قد قرره الامام الشاطبي بأجلى بيان، حيث يقول: (فإذا بلغ الإنسان مبلغا يفهم فيه عن الشارع قصده في كل مسألة من مسائل الشريعة وفي