ـ(72)ـ
الأمة فعلا ـ لا لمجرد إظهار قوة النفاذ العقلي، أو الكلمة الاجتهادية المبتكرة المبدعة ـ ولتكييف حياتها بمفاهيم الشريعة ومقتضيات بصائرها وحقائقها، وقد أكد (صلى الله عليه وآله وسلم) على أن يكون اجتهادا متجددا عبر القرون؛ لتبدل الظروف وتغير المصالح صدى لسنة التطور في الحياة الإنسانية التي هي ما تقتضيه سنة العقل الإنساني المبدع نفسه ثمرة في أصل فطرته، مما يتنافى مع (الجمود الفقهي) رأسا، أو (التعصب المذهبي) الذي يقتضي بطبيعته العكوف على المنقولات الاجتهادية ـ ولو كانت معرفة في القدم ـ يعكف المجتهد عليها دون نظر متجدد بما يناسب الوقائع بظروفها المستجدة في كل عصر بيئة! قال (صلى الله عليه وآله وسلم): (إن الله يبعث على رأس كل سنة من يجدد لها دينها) ولهذا يقول الإمام القرافي: (إن الجمود على المنقولات أبدا ضلال في الدين) غير أن (التجدد في الاجتهاد) الذي ينافي الجمود الفقهي لا ينبغي تغيير النصوص التشريعية في الكتاب والسنة، ولا يخالف عن أمرها ومقتضاها؛ لأن الشريعة الإسلاميّة قوامها هذه النصوص المقدسة الموحاة، فكان ارتباطها بها أبديا، وبيان ذلك:
إن (التجديد) الوارد في نص الحديث الشريف الذي رويناه ذو مفهوم ينبغي أن لا يعزب عن تعقل المجتهد فليس من مفهوم (التجديد) في الحديث الآنف ـ كما قلنا ـ تغيير أي نص من نصوص الشريعة ـ كتاب وسنة ـ أو العبث بمعانيها الحقيقية، أو المظنونة ظنا راجحا، أو تاويلها تاويلا مستكرها لا يجري على قواعد التأويل الأصولية إشباعا لنزعة التعصب، أو استجابة لرغبة الجمود دون نظر أو اجتهاد؛ لأن هذا أشبه ما يكون بالتقليد الذي لا يقوم على دليل ولا يدعمه برهان، وهذا محرم شرعا بالنسبة إلى المجتهد في كل عصر، إذ لا يجوز للمجتهد أن يأخذ برأي غيره ما دام هو قادر على الاجتهاد؛ ولأن رأي المجتهد الفرد لا يلزم إلاّ صاحبه تنفيذا لعملية أو فريضة الاجتهاد المستمرة أبدا، ودون توقف، والى يوم القيامة.
وإذا صح أن يوصف الإسلام بشيء فإنما يوصف بكونه دين الاجتهاد استنباطا وتطبيقا معا، ولا يغني أحدهما عن الآخر! خلاصة معنى التجديد الذي أعلنه الرسول