ـ(68)ـ
حسب الظروف المقتضية(1).
هذا , وتخلف الجزئي عن كلية في هذا المقام لم يكن اعتباطا، بل (الظروف واقعة، أو متوقعه) درءا للضرر الراجح جلبا للمصلحة الراجحة، وفي هذا المعنى يقول الإمام الشاطبي ما نصه:
(فعلى هذا، تخلف آحاد الجزئيات ـ استثناؤها ـ عن مقتضى الكلي، إن كان لغير عارض ـ أي: لغير ظروف وأحوال طارئة ـ فلا يصح شرعا، وإن كان لعارض فذلك ـ أي: التخلف أو الاستثناء ـ راجع إلى المحافظة على ذلك الكلي من جهة أخرى أو على كلي آخر، فالأول: يكون قادحا تخلفه عن الكلي، والثاني: لا يكون قادحا) (2).
أما إذا كان النص يتعلق بتحريم مسألة جزئية خاصة تحريما قاطعا فلا يجرى فيها الاستثناء في حالة الضرورة.
وفي هذا تفسير لوجوب الاستثناء تطبيقا للأجدر من (الكليات) بما يناسب آثار الظروف من النتائج عند طروئها فعلا، أو توقع طروئها، وهذا مفاده: أن (الجمود الفقهي أو التعصب المذهبي) فيما يتعلق بالمنقولات الاجتهادية من المذاهب المختلفة لا يتفق وقواعد الأصول في الاجتهاد التشريعي المستقاة من منهج القرآن الكريم نفسه في منهجه الكلي من حيث بيانه للأحكام كما فصلنا، واستندنا فيه إلى إجماع الأصوليين تلك القواعد الكلية التي تستجيب لتغير الظروف، حذرا أو اتقاء من النتائج التي لا يرضاها الشارع جراء التطبيق المرتجل ـ غير المستبصر أو الآلي ـ دونما اعتبار وتقدير للظروف المتغيرة من حيث هي عامل مؤثر في النتائج، ولأن التصرفات التي يأتي بها المكلفون، أو يصدرون عنها محكومة شرعا بنتائجها، ولهذا أوجب الشارع التحقيق من (مشروعية البواعث والقصود النفسية) لما تؤدي إليه من مآلات
____________________________
1 ـ الموافقات 4: 196 وما يليها.
2 ـ الموافقات 2: 64 بتحقيق الشيخ دراز.