ـ(67)ـ
تربي على ما كان قد قرر لها الشارع من (مصالح) حين تشريع الحكم الأصلي ابتداء، لتلك الوقائع عرية عن الظروف التي لا بستها بحكم تطور الزمن، فتخرج حينئذ من قاعدتها الأصلية الأولى لتدخل في قاعدة أخرى تناسب (المال) الذي اقتضاها.
ذلك؛ لان (المفسدة) إذا كانت تربي على ا لمصلحة فالعبرة بالحكم الشرعي الراجح بعد الموازنة، فيكون الحكم في مثل هذا المقام سلبيا، دفعا للضرر الراجح الذي نجم عن تغير الظروف؛ لأن مفسدة المآل غلبت مصلحة الأصل!! وهذا يحث إلى مبدأ سد الذرائع!!.
وكذلك القول فيما إذا كان الكلي العام يندرج فيه فعل محرم في الأصل، ولكن ظروف الحال استدعت إجازته استثناء لما يلحق الناس من تطبيق الحكم العام وهو التحريم ـ مشقة بالغة، وهذا ضرر عام، فيستثنى حينئذ هذا الفعل بمجرّده من اللفظ العام، ليعطي حكما إيجابيا صونا للصالح العام، وهذا ما يطلق عليه (الاستحسان) وهو ـ كما يقول الإمام ابن رشد ـ: التفات إلى المصلحة والعدل!!!.
هذا الذي نقرره هنا استنادا لما ورد في القرآن الكريم، والسنة الثابتة، من (استثناءات) للوقائع التي لا بستها الظروف تصون المصالح، وتدرا المفاسد، وقررها أيضاً الأصوليون من مثل: الامام العز بن عبد السلام وغيره هو ما جاء به الإمام الشاطبي (كنظرية عامة في الاجتهاد الفروعي) ولا سيما في تطبيقات أحكام الفروع في ظل الظروف المتغيرة، مراعاة لها لتأثيرها البالغ على نتائج التطبيق، وهو ما سماه (مبدأ النظر في مآلات الأفعال) وقال: إنه معتبر مقصود شرعا، سواء كانت الأفعال موافقة مشروعة ـ أم مخالفة ـ غير مشروعة ـ وأقام الأدلة التي تنهض بهذا الأصل العظيم الذي يستند إليه أحكام الفروع كيلا يكون التطبيق آليا، غير مستبصر بنتائج هذا التطبيق في ظل الظروف المتغايرة وهذا الأصل العظيم يحول دون اختلاف الأحكام الفروعية، وتضاربها ما دام الحكم ينهض به المآل والنتائج التي تترتب على التطبيق أثرا للظروف الملابسة!! احتذاء بتصرفات الشارع نفسه في هذا الاستثناء