ـ(66)ـ
قاعدة المستثنيات:
إن من الأدلة القاطعة على (كمال الشريعة) أنها أقامت اعتبارا خاصا للظروف المستجدة العارضة وللأحوال الطارئة المتغايرة؛ لأن هذا من سنة الحياة المتطورة في هذا الوجود فبالإضافة إلى القواعد الكلية في التشريع الإلهي فقد شرع الله أحكاما أخرى (استثنائية) حفاظا على (المصالح) أن تنخرم ، أو يفضي تطبيق الحكم العام الأصلي إلى نتائج ومآلات ـ نتيجة لتغير الظروف ـ لا يرضى الشارع عنها، بل قد تكون على (النقيض) مما يقتضيه روح التشريع العام، أو ينافي مقاصده العامة الأساسية في التشريع.
ومن هنا وضع الأصوليون وأصحاب القواعد العامة (قاعدة المستثنيات)، ومن أولئك: الامام العز بن عبد السلام، إذ أدرج في كتابه القيم (قواعد الأحكام) (قاعدة المستثنيات) هذه يقول فيها ما نصه:
(اعلم: أن الله شرع لعباده السعي في تحصيل مصالح عاجلة وآجلة ـ دنيوية وأخروية ـ تجمع كل قاعدة منها (علة واحدة)، ثم (استثنى) منها ما في ملابسته مشقة شديدة، أو مفسدة تربي على تلك المصالح، وكذلك شرع لهم السعي في درء المفاسد في الدارين، أو في إحداهما، تجمع كل قاعدة منها علة واحدة، ثم (استثنى) منها ما في اجتنابه مشقة شديدة، أو مصلحة تربي على تلك المفسدة، وكل ذلك رحمة بعباده، ونظر لهم، ورفق، ويعبر عن ذلك كله بما (خالف القياس) وذلك جاء في العبادات، والمعاوضات، وسائر التصرفات) (1).
وهذا صريح ـ كما ترى ـ بأن الظروف والأحوال الملابسة عامل مؤثر في تغيير ما ينجم عن تطبيق الحكم الشرعي الفرعي على الوقائع في ظل ما يلابسها من عوارض.
أقول: ما ينجم أو يلزم عن ذلك من نتائج أو مآلات هي: أضرار أو مفاسد
1 ـ الموافقات 2: 138.