ـ(65)ـ
فتلخص لدينا: أن ما وضعه الإمام الشاطبي من قواعد أصولية، ومن منهج علمي مرسوم يتفق ومنهج الشارع نفسه في تشريعه للأحكام في القرآن العظيم كما بينا، وينبغي أن يتم الاجتهاد الفروعي الدؤوب المتواصل على غرار (المنهج التأصيلي) بما يصون منطقية التشريع، واتساق نظامه المحكم، بحيث لا يعتريه اختلال ولا تناقض، لا بحسب الجزء، ولا بحسب الكل، إقامة للمصالح الحقيقية وتنميتها، والحفاظ عليها، إذ بالاختلال تنقلب المصالح مفاسد، والعكس صحيح، وذلك مناقض للشارع كفاحا، والمناقضة باطلة، بل ومحرمة قطعا فيما يؤدي إليها مثلها!!.
فثبت أن هذا (المنهج التأصيلي العلمي) الذي يتفق وطبيعة التشريع نفسه ـ فضلا عن التشريع الإلهي ـ هو الكفيل بتدبير شؤون الأمة بما يحقق مصالح الدنيا والآخرة دون افتئات، أو اختلال ما وضع لها من نظام، لا بحسب الكل، ولا بحسب الجزء، كما يرفع أسباب الخلاف الجذري المستحكم في الفروع، أو ـ على الأقل ـ يضيق من هوته، فلا ينخرم مع هذا المنهج نظام المصالح بجميع مراتبها من حيث قوة أثرها في المجتمع الإسلامي مهما ترامت أطراف بيئاته من الضروريات، أو الحاجات، أو التحسينيات، بحيث لا يتخلف حكم فرعي عملي للمسائل أو الوقائع المعروضة على بساط البحث، لا يتخلف كل منها عن مفهومه الكلي، إذ لابد أن يتجه القصد في الاجتهاد إلى (الجزئي والكلي) معا؛ لأن قصد الشارع اتجه إليهما معا كيلا يقع التناقض، وهو علة بطلان الاجتهاد المتناقض، وما ينتج عنه من أحكام ـ ولا سيما فيما لم يرد فيه نص معين ـ يتناوله بخصوصه ضبطا لعملية الاجتهاد على وجهها الأصولي العلمي المرسوم أن تشتط، أو أن تعتسف المسار الاجتهادي العام الذي حددته هذه (المفاهيم الكلية) في التشريع الإسلامي كما أشرنا، لأنها لم تشرع في القرآن الكريم على هذا النحو عبثا ولا تحكما، فينبغي إذن (تحكيمها) حال طروء العوارض، أو الوقائع المستجدة، أيا كانت طبائعها، أو مجالاتها، وذلك آية خلود الشريعة بلا نزاع!!.