ـ(64)ـ
ينقضه، فكان ذلك (إجماعا أصوليا) على صحة هذا (المنهج التأصيلي) الذي يتجه بجمعه إلى تحقيق مقصد الشارع من التشريع، جزئيا وكليا، استيحاء من المنهج القرآني الكلي في تقريره للأحكام، لما يتسم به من (العمومية، والإطلاق)، فضلا عن (المفاهيم الكلية) التي تتفق مع طبيعة التشريع نفسه علميا، وفي كل عصر وبيئة وذلك من آيات خلود الشريعة وديمومتها بلا مراءا، ولهذا قال الامام الشاطبي: شرعت أحكام القرآن على وجه كلي وعام ومطلق.
هذا، وكل أمر ـ من التشريع العملي الفروعي الاجتهادي ـ مختلف فيه لو رد إلى (المفهوم الكلي) الذي يتحقق مناطه فيه لارتفع الخلاف غالبا، أو على الأقل لو بقي الخلاف لما كان جذريا يغوص في أعماق (التناقض) الذي يخلّ بالتصور الذهني الاجتهادي أولا، كما يخل بالنظام المحكم الذي شرعه الله تعالى، وهذا محال، لأن شرع الله تعالى لا تناقض فيه، ولان هذا ينبئ إما عن العجز عن إدراك حقائق الأمور، أو عن العبث، وكلاهما محال عليه سبحانه، ولعل هذا هو المعني بقولـه تعالى: [ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا] (1)!!.
وفي هذا المعنى الجليل يقول الامام الشاطبي ما نصه: (لقد ثبت أن الشارع قد قصد بالتشريع إقامة المصالح الدنيوية والاخروية ابتداء، وذلك على وجه لا يختل لها به نظام، لا بحسب الكل، ولا بحسب الجزء، وسواء في ذلك ما كان من قبيل الضروريات، أو الحاجيات، أو التحسينات، فإنها لو كانت موضوعة بحيث يمكن أن يختل نظامها أو تختل أحكامها لم يكن التشريع موضوعا لها، إذ ليس كونها (مصالح) إذ ذاك، بأولى من كونها (مفاسد)، ولكن الشارع قاصد بها أن تكون (مصالح) على الإطلاق، فلابد أن يكون وضعها على ذلك الوجه، أبديا، وكليا، وعاما ومطلقا، في جميع أنوا ع التكليف والمكلفين، وجميع الأحوال) (2).
__________________________
1 ـ النساء : 82.
2 ـ الموافقات 2: 37.