ـ(62)ـ
وحيا ابتداء، فكذلك (الجزئيات) ينبغي أن تفهم وتطبق أيضاً في ضوء كلياتها، فتكون (الكليات والجزئيات) كلتاهما ـ على هذا النظرـ مشروعتين بالقصد إليهما شرعا، دون انفصال إحداهما عن الأخرى استقلالا، ونتيجة لذلك: أن كل مسألة أو واقعة تطرأ ينبغي أن يتحقق فيها (مفهوم كلي) يتعلق بها مناطه كاملا، وإلاّ ما كان الجزئي تطبيقا لكلية ـ والفرض أنه مطابقه مناطا ـ كيلا يؤول الأمر بالمسلمين ـ من حيث نظام تشريعهم ـ ان يصبحوا مأخوذين بهذا التخالف، أو التناقض، فيما يفرزه الاجتهاد من أحكام في المسائل أو الجزئيات المعروضة، فيفضي ذلك حتما إلى (الإخلال بتوازن المجتمع الإسلامي في كياناته الأساسية من الاقتصاد، والاجتماع، والسياسة، إخلالا ماديا ومعنويا معا) ومن شان ذلك ان يحول بالضرورة دون أداء التشريع وظائفه التي أنزل من اجلها، فضلا من ان يحول دون السعي الحثيث الجاد والمخلص لتحقيق (الوحدة الإسلاميّة) المفروضة شرعا على الأمة الإسلاميّة قاطبة!! إذ انجاز الوحدة معلوم من الدين بالضرورة وعلى هذا فلابد ان تكون تلك المفاهيم الكلية التشريعية في القرآن الكريم. ملكات عقلية راسخة تهيمن على التعقل الاجتهادي وتوجهه لتصبح تلك الملكات بصائر منيرة، ولعل في قولـه تعالى: (قد جاء كم بصائر من ربكم فمن ابصر فلنفسه ومن عمي فعليها)(1). إشارة إلى هذا المعنى!!.
وبذلك التوجيه الإلهي الحكيم. يتحدد بل ويستقيم الاتجاه العام للمسلمين فيما يحقق مصالحهم المتعلقة بتلك الأحكام الفروعية، المتكاثرة والمتطورة المندرجة في مفاهيمها الكلية!.
الأساس التشريعي للوحدة:
وفضلا عن ذلك فقد وضع التشريع الإلهي ـ حرصا منه تعالى على تحقيق
______________________________
1 ـ الأنعام: 104.