ـ(61)ـ
فيجري في الحكم مجرى (العموم المستفاد من الصيغ) ثم يقيم الأدلة على صحة هذه القضية في الاستدلال) (1).
هذا، ويؤكد الإمام الشاطبي ضرورة هذا (الاجتهاد التأصيلي) عن طريق الاستقراء التام في جزئيات الأدلة من الكتاب والسنة، ضبطا لعملية الاجتهاد أن تتخالف أو تتناقض مع منطق التشريع العام أو روحه، بحيث تجري على نظام واحد، وترتيب لا اختلال فيه، لمكان اتساق الجزئي مع مفهوم كليه، بقولـه فيما نصه:
(إن المقصود بالكلي هنا: أن تجري أمور الخلق على ترتيب ونظام واحد، لا تفاوت فيه، ولا اختلاف، وإهمال القصد في الجزئيات يرجع إلى إهمال القصد في الكليات، فإنه ـ مع الإهمال ـ لا يجري كليا بالقصد، وقد فرضناه كليا، هذا خلف ـ أي: تناقض ـ فلابد من (صحة القصد) إلى حصول الجزئيات، وليس البعض في ذلك أولى من البعض، فانحتم القصد إلى الجميع وهو المطلوب) (2).
هذا بيان دقيق حقا، مؤداه: أنه لا يجعل للاجتهاد الفروعي وليجة ينفذ منها إلى نشوء الخلاف القائم على (التناقض المستحكم) الذي من شأنه أن يمس (مبدأ المشروعية العليا) مآلا، وذلك بأن يشتت (التوجيهات التشريعية) في الأمة، أو يحمل على (التناقض) في التصورات الذهنية الجزئية، مما ينعكس بالتالي سلبيا على كيان المجتمع الإسلامي كله، فتنتقض بذلك عرى التآلف والتواد جراء هذا (التناقض) الذي اتسعت رحابه، إذ لا تتم وحدة سياسية، واجتماعية، واقتصادية إلاّ بالاستناد إلى وحدة أحكام التشريع ـ جزئيا وكليا ـ معا، حسب ما يقتضيه العصر.
والشارع الحكيم قد شرع ابتداء في القرآن العظيم(الكليات) ـ كما ذكرنا ـ إيماء إلى أن ينبغي اتخاذها أساسا لكل ما يتفرع من جزئيات لوحدة المناط فيهما، وإذا كانت (الكليات) قد شرعها الشارع الحكيم بالقصد إليها حتما، و إلاّ ما أنزلها
_____________________________
1 ـ الموافقات 3: 169 بتحقيق محمد محي الدين عبد الحميد. دار الفكر ـ بيروت .
2 ـ المرجع السابق 2: 62 بتحقيق الشيخ دراز ـ دار المعرفة ـ بيروت.