ـ(43)ـ
بأنه مالك لأمره، فله الإمضاء والفسخ، وله الرد والاسترداد.
وأما الحكم: فإنه مجرد رخصة أو إلزام في فعل شيء أو تركه، أو الحكم بترتب أثر على فعل أو ترك، وذلك مثل: الحكم بالجواز في العقود الجائزة، فإنه مجرد ترخيص من الشارع للمتعاقدين بفسخ العقد أو إبقائه، ولا تعتبر هناك سلطة جعلها الشارع لأحد الطرفين أو كليهما. والحكم بالجواز فيها نظير الحكم بإباحة شرب الماء وأكل اللحم، ومعلوم أن مثل هذا لا يعتبر سلطة للشخص على شرب الماء وأكل اللحم، بل ليس إلاّ حكما شرعيا محضا. فلا يقال: إن الإنسان المكلف لـه حق في الماء واللحم بمجرد حكم الشرع بجواز الانتفاع بهما، والماء واللحم في محل البحث ليسا إلاّ أنهما وقعا موردا ومتعلقا للحكم.
وبالموازنة بين الجواز في العقود اللازمة التي فيها خيار للطرفين أو لأحدهما وبين الجواز في العقود الجائزة رأسا نستطيع أن نفهم ونعقل الفرق بين الحق والحكم، وأن الشارع اعتبر في العقود اللازمة سلطة لذي الخيار على العقد أولا وبالذات، وعلى العوضين ثانيا وبالعرض لتعلق العقد بهما وأما في العقود الجائزة: فلم يعتبر الشارع سلطة لأحد الطرفين، سوى أنه أجاز لهم فسخ العقد، فالفارق بينهما هو كيفية اعتبار الشارع لهما، والمرجع في ذلك الأدلة الشرعية، وفي كثير من الحقوق والأحكام المرجع هو: العرف العام. فللشارع أن يعكس الأمر ويعتبر في الحقوق اللازمة حكمه بالجواز، وفي العقود الجائزة لـه أن يجعل سلطة للطرفين على فسخه، ولا مانع عقلي من ذلك أصلاً، إلاّ أن المفهوم من سياق الأدلّة أو من نظر العرف هو الفرض الأول.
وحاصل الفرق: أن الشارع جعل سلطة لذي الحق في الحقوق، وحكم بحكم تكليفي في الأحكام من دون جعل سلطة فيها لأحد.
ولا ينبغي الغفلة عن نكتة وهي: أن نفس الخيار هو حق لذي الخيار، أما تشريعه من قبل الشارع فهو حكم، فإن الأحكام على قسمين: تكليفي (وهو: الأحكام الخمسة) ووضعي وهو كثير، والحكم بالخيار حكم وضعي ينتزع منه حكم تكليفي، وأما الحكم بالجواز فهو: حكم تكليفي قد ينتزع منه حكم وضعي وهذا هو الفارق بين الأمرين.