ـ(42)ـ
أنك تجد في أبواب الفقه حقوقا كثيرة: ففي البيع: حق القبض والإقباض، وحق الشفعة، وحق الخيار؛ وفي الأراضي: حق التحجير، وحق الشرب، وحق المرور؛ وفي الرهن: حق الرهانة؛ وفي المكان: حق السبق، فمن سبق إلى مكان من الأماكن العامة فهو أحق به؛ وفي الدين: حق الغرماء في تركة الميت؛ وفي النفس: حق القصاص؛ وفي الطفل: حق الحضانة؛ وفي الزوجة: حق القسم، وحق المضاجعة، وحق النفقة؛ وفي الوالدين والأولاد: حقوقهما؛ وفي الوالي والرعية حقهما؛ وفي أقارب الميت: حق الإرث إلى كثير من أمثالها.
فهذه الحقوق وأمثالها أي منها قابل للنقل والانتقال بعوض أو بغير عوض أو للإسقاط، وأي منها لا يقبل ذلك؟ وما هو الفارق بين القسمين في واقع الأمر؟
الفارق بينهما في اعتبار بعض الفقهاء (1) أن ما يقبل النقل وغيره هو حق، وما لا يقبله هو حكم شرعي، وهذا يتوقف على تعريف كل من الحق والحكم.
فالحق نوع من السلطنة للشخص على شيء يتعلق بعين أو بعقد. فالأول: كحق التحجير وحق الرهانة وحق الغرماء في تركة الميت، والثاني، أي: المتعلق بعقد مثل: حق الخيار وحق الشفعة، حيث إن ذا الخيار وصاحب الشفعة لهما الحق في فسخ العقد؛ لاستيفاء حقوقهما المتعلقة بالمبيع والثمن.
ومن الحقوق ما هو سلطة على شخص: كحق القصاص، وحق الحضانة، وحق القسم ونحوها، ويمكن أن يقال: إن الحق مرتبة ضعيفة من مراتب الملك أو نوع منه،وإن صاحب الحق مالك لشيء ويكون أمره إليه، كما أن مالك الشيء عيناً أو منفعة مسلط عليه ويكون أمره بيده.
فلنلاحظ حق الخيار في العقود اللازمة، حيث جعل الشرع لصاحب الخيار حقا، وحقيقته أنه جعل للمتعاقدين أو لأحدهما سلطة على العقد أو على متعلقة وحكم
_________________________________
1 ـ هو العلامة الطباطبائي اليزدي صاحب العروة الوثقى في حاشيته على كتاب البيع للشيخ الأنصاري: ص 55.