ونحن قد بحثنا في الماوردي «الآداب السلطانية» عن مهام الولاية، أيام الحسن الأنور، والذي كان نقيباً للأشراف كذلك، فاتّضح أنّ الوالي كان مسؤولاً عن أخلاق الناس وأمنهم، كما كان مسؤولاً عن تدبير أمر الجيوش، وكذلك إمامة الصلاة، وتعيين الائمة، وإقامة الحدود، لكنّ الملاحظ أنّ العباسيّين حين ولّوا سيدي حسن الأنور، أعفوه من مهمّة تدبير أمر الجيوش حتّى لا يقوى الولاة من آل البيت، ويخرج أحدهم على الخلافة! والوشاية جاءت من شخص مقرّب للإمام حسن الأنور، واسمه ابن أبي ذئب محمد بن عبدالرحمن بن المغيرة، وهذا ذهب إلى المنصور العباسي وأخبره أنّ الحسن الأنور «يطمح للخلافة، ويتشوّف لنسيمها، ويعمل على عودها للعلويّين». وهذا الواشي ـ رغم قربه من الإمام حسن الأنور ـ غلب على ظنّه طماحية آل البيت للخلافة، ولذلك أسرع إلى المنصور العباسي، وكان الواشي نفسه ـ كما يقولون ـ يؤمن في قرارة نفسه أنّ الخلافة حقّ للعلويّين، رغم أنّ عمله كان عيناً للعباسيّين على سيدي حسن الأنور. ونتيجة لذلك، يظلّ الحسن الأنور سجين العباسيّين أكثر من سنتين، حتّى يتولّى المهدي الخلافة، الذي كان يقدّر في سيدي حسن الأنور علمه واعتداله وزهادته، فأمر بإخراجه من السجن، وردّ عليه ما أخذ من ماله، لكنّه من الثابت أنّ المهدي لم يعد الحسن إلى ولايته، رغم أنّ البعض يقول: إنّه بعد الإفراج عنه عاد الحسن إلى منصبه والياً على المدينة، بل إنّ هناك رأياً يرى أنّ المنصور نفسه والذي أمر بالحبس، هو الذي أخرج سيدي حسن الأنور من السجن لمّا ظهر له كذب الواشي، لكنّ هذا الرأي أضعف من أن يقف مع ما أجمع عليه الطبري وابن كثير والزركلي وغيرهم[553].