في إمرته، وشدّة في أخذ الناس بالحدود وحرمات الله، لا تأخذه رأفة في دين الله، ولا توقفه رحمة عن إقامة حدوده». والأمثلة على حزم سيدي حسن الأنور كثيرة: فلقد كان للحسن شاعر مشهور من أصفيائه ومواليه يسمّى ابن هرمة، وله معه أحاديث ظريفة وذكريات ممتعة، فلمّا صار الحسن والياً على المدينة المنوّرة، جاء بهذا الشاعر وقال له بحزم، بعد أن سمع أنّه يشرب الخمر: أنا لست كمن باعك دينه رجاء مدحك، أو خوفاً من ذمّك، فقد رزقني الله عزّ وجلّ بولادة نبيه الممادح، وجنّبني المقابح، وأنّ من حقّه عليَّ ألاّ أغضى عن تقصير في حقّ ربي. وأنا أقسم بالله لئن أوتيت بك سكراناً لأضربنّك حدّاً للخمر وحدّاً للسكر، ولأزيد لموضع حرمتك بي، فليكن تركك لها لله تعالى، تعن عليها، ولا تدعها للناس فتوكل إليهم[547]. وشاعر آخر اسمه ورد بن عاصم، جاءت قصّته مع الإمام حسن الأنور في عيون الأخبار[548]. هذا الشاعر هجا الحسن أثناء ولايته للمدينة لتشدّده في إقامة الحدود، فلمّا سمع الحسن هجاءه طلب الشاعر، لكنّه خاف وهرب، إلى أن مثل بين يديه، واعتذر للحسن بتقصيره، وهنا يعفو عنه ويصله بمال. ومع الحزم كان العطف، فقد جيء إليه بشاب ذي حسب ونسب هو سكران، فقال الشاب: يا بن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا أعود، وقد قال الرسول (صلى الله عليه وآله): «أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم»[549]، وأنا ابن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، وكان أبي مع أبيك. فقال الحسن للشاب: صدقت، هل أنت عائد؟ قال الشاب: لا والله. فأقاله الحسن، وأمر له بخمسين ديناراً، وكان الحسن يبرّه دائماً[550].