الأساسي إلى تفرق شملهم بعد أن مزّقتهم العصبيات الجنسية، والفرق المذهبية والخلافات الطائفية، فاقتحم ميدانا جديدا من ميادين الجهاد والاجتهاد لتحقيق الوحدة الإسلامية، وهو ميدان: التقريب بين المذاهب الإسلامية. وكان ذلك في منتصف القرن العشرين، فشارك مع بعض إخوانه من العلماء الأفاضل في تكوين «جماعة التقريب بين طائفتي السنة والشيعة» وكان مقرها مدينة القاهرة، بعد أن رأوا أن الاستعمار قد وسّع عامدا متعمدا شقة الخلاف بين الطائفتين ليتمكن من تقطيع أوصال المسلمين وتسخيرهم لخدمة أغراضه، فدعا – رحمه الله – مع إخوانه إلى التقريب قائلا: «إن دعوة التقريب هي دعوة التوحيد والوحدة، هي دعوة الإسلام والسلام .. كنت أود أن أستطيع تصوير فكرة الحرية المذهبية الصحيحة المستقيمة على نهج الإسلام، والتي كان عليها الأئمة الأعلام في تاريخنا الفقهي، أولئك الذين كانوا يترفعون عن العصبية الضيقة، ويربأون بدين الله وشريعته عن الجمود والخمول، فلا يزعم أحدهم أنه أتى بالحق الذي لا مرية فيه، وأن على سائر الناس أن يتّبعوه، ولكن يقول: هذا مذهبي، وما وصل إليه جهدي وعلمي، ولست أبيح لأحد تقليدي واتّباعي دون أن ينظر ويعلم من أين قلتُ ما قلت، فإن الدليل إذا استقام فهو عمدتي، والحديث إذا صح فهو مذهبي… لقد آمنت بفكرة التقريب كمنهج قويم، وأسهمت منذ أول يوم في جماعتها وفي وجوه نشاط دارها بأمور كثيرة. ثم تهيأ لي بعد ذلك، وقد عهد إليّ بمنصب مشيخة الأزهر أن أصدرتُ فتواي في جواز التعبد على المذاهب الإسلامية الثابتة الأُصول، المعروفة المصادر، المتّبعة لسبيل المؤمنين، ومنها مذهب الشيعة الإمامية الإثنا عشرية، وقّرت بهذه الفتوى عيونُ المؤمنين المخلصين الذين لا هدف لهم إلا الحق والألفة ومصلحة الأمة، وظلّت تتوارد علىّ الأسئلة والمشاورات والمجادلات في شأنها وأنا مؤمن بصحتها، ثابت على فكرتها، أؤيدها في الحين بعد الحين فيما أبعث به من رسائل للمتوضحين، أو أردّ به على شُبه المعترضين، وفيما أنشئ من مقال ينشر، أو حديث يذاع أو بيان أدعو به إلى الوحدة والتماسك والالتفات حول أصول الإسلام ونسيان الضغائن