التجديد على الجمود، وترجيح جانب الاجتهاد على جانب التقليد، التي أنشأها الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده بما سنّ من حرية فكرية، واجتهاد علمي، يستمدان أصولهما من كتاب الله وسنة رسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأراء ذوي الإصلاح الديني ممن أورثوا الفكر الإسلامي خِصبا ونضارة، ومعرفة وثقافة. فقد كان – طيب الله ثراه – ذا بصيرة ملهمة في فقهه للقرآن الكريم، وتفسيره لمعانيه ومقاصده وأحكامه، وأسباب نزول بعض آياته، وفي فهمه للحديث الشريف، والبحث عن طبيعة المواقف التي قيل فيها..، والإلمام الكامل بأقوال السلف الصالح في أي موضوع فقهي يبحث، يختار منها الرأي المناسب دون أن يتقيد بمذهب من المذاهب، أو بإمام من الأئمة. وبهذا تكونت عنده ملكة حرية الفكر والرأي وإصدار الفتوى..، ولذلك كان إذا اطمأن إلى رأي شرح الله صدره له، واقتنع به عقله، واطمأن إليه قلبه أعلنه على الملأ بصراحة وجرأة، مؤيداً ومعللاً رأيه بالأدلة والحجج والبراهين، من الكتاب، والسنة، وأقوال السلف الصالح، وتعليله الشخصي، غير عابئ بمخالفة المخالفين، أوجمود فكر المقلدين مع احترامه لرأي مخالفيه، وسعة صدره لأقوالهم.. وكتابه (الفتاوى) يضم كثيرا من هذه الأحكام التي يتيمز بالفقه الدقيق، والرأي المستنير، والاجتهاد السليم، والحجج المقنعة،والعقل المرتب الراجح، والتعليل المنطقي الذي يتفق مع فطرة الخالق جل وعلا. كما كان – رحمه الله – واسع المعرفة، بليغ الأسلوب، قوى الحجة، خطيبا بارعا، ذا صوت مميّز معبّر، يجذب الانتباه، ويشد السامعين. على أن مواهب إمامنا الراحل الشيخ محمود شلتوت – رحمه الله – وجهاده واجتهاده لم تكن محدودة في ميدان معين، أو موجهة لغرض محدد، أو تسعى لتحقيق هدف واحد، بل كانت أعم وأشمل من ذلك بكثير. فقد أدرك إمامنا بفكرة الإصلاحي، وثورته الاجتماعية، وإلمامه بمشاكل الأمة الإسلامية أن الضعف الذي أصاب المسلمين وجعلهم لقمة سائغة لأعداء الإسلام، يرجع سببه