في الضغط على أرباب الحاجات توسعوا كثيرا فيما تناوله الربا، وكان لهم في ذلك مشارب مختلفة وآراء متعددة، ورأى كثير منهم أن الحرمة فيما يحرمون تتناول المتعاقدين معا المقرض والمقترض وإني – الشيخ شلتوت – اعتقد أن ضرورة المقترض وحاجته ما يرف عنه إثم ذلك التعامل لأنه مضطر أو في حكم المضطر والله يقول: (وقد فصّل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه) ([73]). وقد صرح بذلك بعض الفقهاء فقالوا يجوز للمحتاج الاستقراض بالربح([74]) وإذا كان للأفراد ضرورة أو حاجة تبيح لهم هذه المعاملة وكان تقديرها مما يرجع إليهم وحدهم وهم مؤمنون بصيرون بدينهم فإن للأمة أيضاً ضرورة أو حاجة كثيرا ما تدعوا إلى الاقتراض بالربح، فالمزارعون كما نعلم تشتد حاجتهم في زراعاتهم وإنتاجهم إلى ما يهيئون به الأرض الزراعية، والحكومة كما نعلم تشتد – حاجتها إلى مصالح الأمة العامة وإلى ما تعد به العدة لمكافحة الأعداء المغيرين، والتجار تشتد حاجتهم إلى ما يستوردون به البضائع التي تحتاجها الأمة وتعمر بها الأسواق ونرى مثل ذلك في المصانع والمنشآت التي لا غنى لمجموع الأمة عنها والتي يتسع بها ميدان العمل، فتخفف عن كاهل الأمة وطأة العمال العاطلين، ولا ريب أن الإسلام الذي يبني أحكامه على قاعدة اليسر ورفع الضرورة والعمل على العزة والتقدم، وعلاج التعطل يعطي للأمة في شخصي هيئتها وأفرادها هذا الحق، ويبيح لها – مادامت مواردها في قلة – أن تقترض بالربح تحقيقا لتلك المصالح التي بها قيام الأمة وحفظ كيانها. غير أني أرى أن يكون تقدير الحاجة والمصلحة مما يؤخذ عن –أولى الرأي – من المؤمنين القانونيين – والاقتصاديين والشرعيين ويكون ذلك في ناحيتين: ناحية تقدير الحاجة وناحية تقدير الأرباح، واختيار مصدر القروض فلا يكون قرض إلا حيث تكون الحاجة الحقيقية ولا يكون قرض إلا بالقدر المحتاج إليه وتدفع إليه الضرورة والحاجة ولا يكون قرض إلا من جهة لا تضمر استغلالنا واستعمارنا ولو أن الأمم الإسلامية تكاتفت على وضع