خامساً: اجتهاداته ومكانته العلمية كان الشيخ شلتوت يعتقد أن الاجتهاد من أهم الأسس التي يقوم عليها أي إصلاح أو تجديد وأن أي إصلاح أو تجديد لا يقوم على الاجتهاد مصيره إلى الجمود ثم الفناء. والاجتهاد الذي يعتقده أشبه بسلسلة متصلة حلقاتها تسلم أولها إلى أخراها وتأخذ أخراها من أولاها، فهو اجتهاد مبني على أساس الماضي وقد التزم الشيخ شلتوت بهذا الاجتهاد الجمود في البحث فهو يؤمن بأن كل تفكير لا يقوم على أساس من الاجتهاد مقضي عليه بالجمود وبما ينتهي إليه من موت لا مفر منه. ولذلك نجد الشيخ شلتوت يصرح في مواضع كثيرة بأن الاجتهاد مصدر من أهم مصادر التشريع الإسلامي، وهو نعمة من الله أعز بها المسلمين عن أن يخضعوا لغيرهم في تشريع أحكامهم، فيما يجد لهم من أمور لم يرد في الشرع عنها حكم، فيقول عن الاجتهاد: وقد رفع الإسلام بهذا الوضع جماعة المسلمين عن أن يخضعوا في أحكامهم وتصرفاتهم لغير الله، ومنحهم حق التفكير والنظر والترجيح واختيار الأصلح في دائرة مارسمه من الأُصول التشريعية فلم يترك العقل وراء الأهواء والرغبات ولم يقيده في كل شيء بمنصوص قد لا يتفق مع ما يجد من شؤون الحياة كما لم يلزم أهل أي عصر باجتهاد أهل عصر سابق دفعتهم اعتبارات خاصة إلى اختيار ما اختاروا([66]). وكان دائما ينادي بإتباع أحكام الله تعالى دون الخضوع فيها لرأي معين أو مذهب خاص فيقول: «واجب علينا إلا ندين بالولاء والانقياد لغير أحكام الله ورسوله ولا نتابع قولا لمتقدم أو متأخر لا يستند إلى دليل من الكتاب والسنة، وبذلك تكون فتاوانا وآراءنا مستمدة من ينابيع الإسلام ومصادرة الأصلية ولا نبالي فيها خلاف من يخالفنا»([67]). فكان الشيخ شلتوت بحق ينهج في منهجه الاجتهادي منهجا عظيما يعتبر امتدادا حقيقيا للحركة التي أبداها أستاذه: جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده في الثورة على التقليد