آية وسورة بعد سورة حسب الترتيب المصحفي واستمر الحال على ذلك أزمان حتى جاء عصر النهضة الحديثة ـ في القرن الرابع عشر الهجري فكان نهضة في جميع المجالات العلمية والفكرية والمادية والحضارية، وفي النهضة الفكرية ظهر التجديد في طريقة التفسير وأسلوبه على يد جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وسلك تلاميذ الشيخ محمد عبده وأعلام مدرسته هذا لمنهج بالاتجاه إلى وجوب الهداية في القرآن، فالتفسير الذي لا يسعى إلى بيان وجوه الهداية لا يستحق أن يسمى تفسيرا وكذلك خلت تفاسيرهم من الإسرائيليات المكذوبه والأخبار الموضوعة والأقاصيص المعلقة، كما خلت إلى حد كبير من التعميق والإغراق في البحوث العربية من بلاغة ونحو وصرف ولغة. والبحوث الشرعية من فقه وأصول فقه وعلم وكلام، والبحوث الفلسفية والعلوم الطبيعية والكونية فالتوغل في تلك المباحث يبعد القارئ غالبا عن تعرف الهداية في القرآن. ومن أراد تفسير القرآن الكريم على المنهج القويم فليتجه أولاً إلى بيان وجوه الهداية التي أرشد إليها القرآن الكريم في العقيدة والتشريع والعبادة والأخلاق، وجوانب الحياة الأخرى ويتجه كذلك إلى الوجوه التي كان القرآن بها معجزة خالدة. وقد أذن الله سبحانه بأن يكون في كل عصر وجيل علماء يبذلون جهودهم ويخصصون أنفسهم لخدمة كتاب الله وتفسيره كل على قدر طاقته وحسب ثقافته وأحوال عصره ومن هؤلاء العلماء الشيخ محمود شلتوت رحمه الله فقد تغيرت أحوال الناس واختلف العصر وأصبح الناس في القرن العشرين في حاجة إلى تفسير يلائم حال العصر وثقافتهم وقام الشيخ شلتوت بواجبه نحو كتاب الله وخدمته وكتب بحوثه والقى محاضراته في تفسير القرآن بطريقة فريده ونموذج رائع وأسلوب جديد يلائم ذوق العصر وثقافته. عمد فيه إلى بيان وجوه الهداية والإعجاز في القرآن الكريم عقيدة وتشريعا وأخلاقا . ووضح الشيخ شلتوت منهجه فقال أثناء تفسيره لسورة البقرة: «وقد سلكنا بهذا الصنيع سبيلا غير التي أًلفها الناس في التفسير لنضع بين يدي القارئ الموضوعات التي عرضت لها السورة فيما قبل هذه الآية والموضوعات التي عرضت لها فيما بعدها في سلك واحد يجمع بين حبات كل جانب ويعطي للناظر إليه صورة كاملة لجميع ما احتوت عليه تلك السورة