11ـ كتاب مقارنة المذاهب. موقف الإمام من فكرة التقريب بين المذاهب ولما كان فضيلة الإمام من أئمة المجتهدين في عصره حيث تحققت فيه شروط الاجتهاد من كمال دين ورجاحة عقل، مع إلمامه بعلوم اللغة العربية وطرق دلالتها على المعاني، وحفظه للقرآن الكريم وفقهه لمعانيه، كما كان ـ رحمه الله ـ على علم واسع بالسنة النبوية المطهرة وبأحكامها، مدركاً لمقاصد الشرع، وأحوال الناس، وما جرى عليه عرفهم، وما فيه صلاح حالهم، وما عرف عنه من دراية بالفقه وأصوله وممارسته لذلك ممارسة عملية مع تمتعه بالملكة الذهنية، والقوة العقلية، والذي استطاع من خلالهما استنباط الأحكام الشرعية استنباطاً سليما (وذلك فضل يؤتيه الله من يشاء والله ذو الفضل العظيم). وكان من الطبيعي وقد تحققت لفضيلته شروط الاجتهاد والمتفق عليها أن يكون من أول الدعاة إلى فكرة التقريب بين المذاهب الإسلامية في عصره، كما يقال: إن الدعوات تشرف بشرف أهدافها، وتسمو بسمو غاياتها فكان لدعوة التقريب بين المذاهب ـ والتي كان لفضيلته السبق إليها ـ ان تقتعد أسمى مكانة في تاريخ الإصلاح الإسلامي، قديمه وحديثه، ذلك بأنها دعوة الله هو الذي ثبت أساسها ورسم نهجها ووجه الرجاء إلى اجتناء ثمرها. وكان رحمه الله ـ مع شيخه الشيخ عبد المجيد سليم ـ الرأي المفكر لتأسيس دار التقريب بين المذاهب الإسلامية والتي كانت مهمتها توثيق الصلات بين المذاهب الإسلامية التي مصدرها الكتاب والسنة، وكانت جماعة التقريب هذه هي شغل الإمام الشاغل محققاً لأهدافها لأنه كان دائماً يتطلع إلى الوحدة الإسلامية كما تطلع إليها غيره من أحرار العلماء بعد أن تفرق شمل المسلمين، ومزقتهم العصبيات، والخلافات الطائفية فبدأ جهاده في جماعة التقريب بين طائفتي السنة والشيعة، وهم جميعاً يؤمنون بإله واحد وبمحمد رسولاً وبالقرآن الكريم دستوراً ويؤدون أركان العبادات، والكل في إطار واحد، لا خلاف بين أهل السنة والشيعة. ومن هنا كان يرى أن هذا التمزق الدخيل على الإسلام، والتفرقة بين المذاهب هو بغية الاستعمار في توسيع شقة الخلاف بين الفئتين الشيعة والسنة لتمزيق شملهم وتسخيرهم لخدمته وأغراضه وأهدافه.