ولذا تنبه الإمام بذكائه اللماح إلى ضرورة الدعوة إلى التقريب بين المذاهب الإسلامية، وخصوصاً بين أهل السنة والشيعة الإثني عشرية أو ما تسمى بالجعفرية. وبذلك يكون قد ألغى العصبية ودعا إلى الوحدة ليصبح المسلمون في ظل هذه الوحدة كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً. وحرية الفكر في الإسلام مكفولة، مادامت لا تعارض أساساً، أو ركناً من أركان العقيدة الإسلامية. ولذا ظهر في الإسلام عدد من كبار أئمة الفكر المشرعين اجمعوا على الأُصول الرئيسية واختلفوا في التفصيلات الفرعية اختلاف تكامل لا تناقض. فلما ضعف المسلمون جسموا الخلافات فيما بينهم، ونفخوا فيها وأشعلوها ناراً مزقتهم كل ممزق وباعدت بين شعوبها على الرغم من انهم جميعاً يؤمنون بالله رباً وبمحمد رسولاً نبياً، وبالقرآن دستوراً، ويتجهون إلى قبلة واحدة ويؤدون أركان الإسلام الرئيسية، ومن هنا كانت فكرة التقريب من بعض المسلمين المصلحين من كبار العلماء وفي مقدمتهم الإمام الراحل الشيخ محمود شلتوت على ضم الشمل وجمع الكلمة، وإزالة بواعث الخلاف. ومن بين هؤلاء أيضاً الشيخ محمد تقي الدين القمي من كبار علماء الشيعة، وقد كان أجاب الشيخ محمود شلتوت بفكر هذه الجماعة بالغاً فيقول: (كنت أود أن أستطيع تصوير فكرة الحرية المذهبية الصحيحة للمستقيمين على منهج الإسلام والذي كان عليها الأئمة الأعلام في تاريخنا الفقهي، أولئك الذين كانوا يترفعون عن العصبية الضيقة، ويبتعدون بدين الله وشريعته عن الجمود والخمول، فلا يزعم أحدهم أنه أتى بالحق الذي لا مرية فيه، وأن على سائر الناس أن يتبعوه، ولكن يقول: (هذا مذهبي، وما وصل إليه جهدي وعلمي، ولست أبيح لأحد تقليدي وإتباعي دون ان ينظر ويعلم من أين قلت، فإن الدليل إذا استقام عمرتي، والحديث إذا صح فهو مذهبي). فقد أسهم فضيلته ـ رحمه الله ـ في فكرة التقريب كمنهج قويم أسهم فيها قولاً وعملاً وتأليفاً وأدباً.