الناس وطبيعة مشاكلهم وما يناسبها من حلول في اطار الشرع أيضاً. ومعنى هذا ان المجتهد لا ينفصل عن واقع الحياة، كما لا ينفصل عن الشرع ومقاصده. وخلاصة القول: انه ينبغي ان يكون من ادوات المجتهد التي تؤهله لعمله الفقهي، هذه المعارف الانسانية وغيرها، مما يساعده على معرفة الحكم الشرعي المناسب له، وان لم يتمكن المجتهد الفرد من ذلك فليلجأ إلى ذوي الخبرة والعلم بذلك الواقع، فيكون الاجتهاد شوروياً وجماعياً، وهذا هو الواجب في عصرنا هذا، والا اخطأنا في فهم مراد الله من النصوص القرآنية، ومراد نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) من نصوص السنة، واخطأنا في ضمان تنزيل حكمه على مشاكل الناس، ذلك ان هذه المعارف تعين المجتهد على الوصول إلى وجه من وجوه محتملة في النص فيسدد ذلك طريقه وحسن تفهمه. وهذا ما يجعلنا نشير إلى عامل آخر مهم نتفادى به ان يكون الفقيه منقطعاً عن حياة الناس ومشاكلهم ومعارف عصره غريباً عنها، كما نتفادى ان يكون العالم من علمائنا مفصولاً عن الشريعة وعلومها، مغترباً في معارف مقطوعة الصلة بالمنهج الرباني، هذا العامل يتمثل في الازدواجية في التعليم عندنا، فهذا عالم في الشريعة فحسب، وهذا عالم في علم القانون أو الاجتماع أو الطب فحسب، مما يمزق شمل الثقافة، ويحدث شرخاً في نسيجها، وقد تفطن إلى هذا ابن حزم (ت 456 هـ) قديماً، واشار إلى الضرر الذي يحدث من هذا الازدواج والانفصام في التكوين العلمي([17]). مبيناً الصراع الذي كان يحدث في عصره بين طائفة اقتصرت على دراسة الرياضيات والطبيعيات دون علم الدين، والأخرى التي تدرس العلوم الشرعية دون العلوم الاخرى. كما اشار إلى ذلك ابو حامد الغزالي (ت 505 هـ) في كتابه المنقذ من الضلال وغيره. كما ان فقيهاً حكيماً من فقهائنا الاعلام وهو القرافي (ت 684 هـ) تفطن إلى وجوب تجديد الاجتهاد، وعدم الجمود عند اقوال القدماء، وعبر عن ذلك أفضل تعبير في كتابه "الفروق": "فمهما تجدد العرف اعتبره، ومهما سقط اسقطه، ولا تجمد على السطور في الكتب طول عمرك، بل إذا جاءك رجل من غير أهل اقليمك