الشريعة ومقاصدها والمصالح المعتبرة فيها، كما يأخذ بمعطيات عصره ومشاكل الناس التي هي موضوع الحكم الشرعي ومحله وموقع تنزيله. ومن الأهمية بمكان أن نشير إلى ان مراعاة واقع الناس المتجدد يجعل المجتهد يراجع اجتهادات الأقدمين وفتاواهم؛ لأنها تعالج واقعاً قد تغير، فلزم ان يتغير الحكم بتغير طبيعة محله وموقع تنزيله، ولهذا فان الاجتهاد لا يسري على القضايا المستجدة في عصرنا هذا مما لم يحدث قبل، ولم يجتهد فيه المجتهدون فحسب، لأن هذا واضحة ضرورته بداهة، ولكن يجري الاجتهاد أيضاً في اجتهادات المجتهدين الماضين، الذين اعملوا عقولهم وبذلوا جهودهم الفكرية على ضوء نصوص الكتاب والسنة، للوصول إلى حكم شرعي في قضية ما من قضايا عصرهم، وان لم يفعل ذلك فقد ظلم الشريعة، وظلم مصالح الناس، وحكم بأحكام لا تنطبق على الواقع الجديد، ولم يرد في الشرع ما يلزم بتقليد المجتهدين في اجتهاداتهم، وان تغيرت أزمنتهم وتغيرت القضايا التي اجتهدوا فيها، وهذا امر لا اظن انه ينازع فيه منازع. ولذلك اشتهر بين الفقهاء ما عبروا عنه بأنه: لا ينكر تغير الفتوى بتغير الأزمنة والأمكنة والأعراف والعادات، ويقصدون بذلك الأحكام والفتاوى التي تستند إلى مجريات الأعراف والعادات والمصالح المتغيرة، فاذا تغيرت العادة، أو المصلحة تغير الحكم الواقع عليها، والذي يتغير في الحقيقة ليس هو الحكم في حد ذاته، وإنّما هو فهم تلك الأحكام على انها مناسبة لتلك الوقائع؛ لان الحكم الشرعي الذي هو خطاب الله لا يتغير وإنّما الذي يتغير تنزيله، على واقع مناسب في زمن ما، ورفعه عن ذلك الواقع الذي تغير ليحل محله حكم آخر شرعي مناسب له، تدعو إليه مقاصد الشريعة وحكمتها، ولذلك جاء تعبير ابن القيم مناسباً حيث عبر عنه بالفتوى، لأن الفتوى هي تنزيل حكم شرعي على نازلة من النوازل، وهذا ما يضمن حسن تنزيل الحكم على اية واقعة تستجد، ومعنى هذا ان الأفهام تتجدد بتجدد الواقع، وان الاجتهادات القديمة لا يمكن الجمود عليها إذا تبين تغير واقع ما انبنت عليه، وكذلك اجتهادات عصرنا يمكن مراجعتها من اجيال أخرى استجدت لديهم مستجدات تدعو لاعادة النظر والمراجعة، دون ان يخل ذلك بمراعاة الشريعة في نصوصها ومقاصدها، ولا بمصالح