الحديث عن الحيوانات المنوية والبويضة؟، وان أية دراسة إسلامية تستبعد هذه العلوم من مناهجها لا يمكن القول بأنها تكوّن رجالاً ذوي أهلية للاجتهاد([15]). ويرى الدكتور حسن الترابي أنه كما لا يمكن أن يجتهد في الفقه الإسلامي من لم تكن له دراية بعلوم الشريعة، فلا يصح كذلك ان يجتهد في الشريعة، من لم يكن على علم وتمكن من العلوم الإنسانية والاجتماعية تمكناً كافياً: "لا يمكن ان نجتهد إلا إذا تعلمنا علوم الطبيعة كما نتعلم علوم الشريعة ذلك ان علم الطبيعة يقصد (به) ما يصطلح عليه بالعلوم الانسانية والتطبيقية هو الذي يعرفك بالواقع وادارته، ومهما حصل لك من العلم الديني بمعالجات الشريعة وبأدوية الشريعة، فلابد لك من تشخيص المجتمع لتعلم الداء، ثم تقدّر ما هو الدواء الشرعي، الذي يناسب ذلك المجتمع، وذلك يستدعيك ان تدرس المجتمع دراسة اجتماعية اقتصادية، وان تدرس البيئة الطبيعية (…) حتى تستطيع ان تحقق الدين بأكمل ما يتيسر لك"([16]). وهذا امر يكاد يتفق عليه الذين كتبوا في التجديد من المعاصرين كما اشار إليه بعض القدماء أيضاً كالشاطبي (ت 690 هـ) في موافقاته وغيره ممن ذكرنا سابقاً. فبسط الحكم الشرعي على الواقع يتوقف على معرفة هذا الواقع معرفة كافية، ولكن ينبغي الآن في عصرنا الذي تعقدت فيه المشكلات، وتشعبت المعارف ان لا يقتصر المجتهد على هذه المعارف العامة، بل ينبغي له ان يتخصص في الشريعة، وفي الواقع الذي يجتهد فيه، كأن يكون عالماً بالشريعة وبالاقتصاد، أو بالشريعة والهندسة الوراثية، وان لم يمكن ذلك يطلب رأي الخبراء كل في تخصصه، فيكون الاجتهاد جماعياً مجمعياً، وهو امر آخر يكاد يتفق عليه الذين يدعون إلى الاجتهاد وتجديد الفقه الإسلامي، حتى لا ينفصل الدين عن الحياة ومجراها، الذي لا يتوقف عن الصيرورة والتغير، ولا يبقى الفقيه يردد احكاماً مجردة في ذهنه أو في كتبه يحفظها، ولكن ليس لها صلة واضحة بواقع الناس. فهذه المعارف الإنسانية التي تعنى بدراسة الإنسان من جميع نواحيه أدوات مهمة في منهج المجتهد، وتطلعه إلى ان يرعى مصالح الأمة، كما يرعي النصوص التي ينزلها على واقع الحياة، وبذلك يأخذ المجتهد في منهجه بمعطيات