و"السياسة الشرعية أو السلطات الثلاث" وغيرهم كثير، ممن جدد في صياغة الفقه الإسلامي وأسلوبه، فزاده ذلك كله رونقاً ووضوحاً في مفاهيمه ومبادئه ومزاياه، فلا ينبغي الخوف من هذا التقريب وهذه الموازنة التي لا تخل بالفقه في مضمونه وأصوله بل ان هذه الموازنة توسع من آفاق الفقيه وتجعله أكثر ادراكاً لمفاهيم القانون ونظرياته لمعرفة مواطن الاختلاف والاتفاق لا استنساخ القانون الوضعي، وخلع سمات الفقه الإسلامي عليه. معرفة الواقع إذا كان موضوع الفقه هو أفعال المكلفين؛ وهو السلوك الفردي والاجتماعي وما ينتظم ذلك كله من علاقات، علاقة الفرد بربه (عبادات) وعلاقته بالمجتمع (معاملات) فإن هذا هو الذي يكون الواقع الذي ينزّل عليه الحكم الشرعي، ولا يستطيع الفقيه ان ينزل حكماً على شيء من هذا الواقع ان لم يكن على دراية تامة به، والحكم على الشيء، كما يقول المناطقة، فرع عن تصوره. فالفقيه انما هو الفقيه بأحوال عصره وأوضاعه وثقافته واتجاهاته وعاداته، ومشاكله اليومية ومستجدات الحياة وتطورها فيه، فكل زمن له حاجاته ومستواه الحضاري، ان الامام الشافعي (150 – 204هـ) واضع اللبنة الأساسية في أصول الفقه اشار في رسالته: "لا يحل لفقيه عاقل ان يقول في ثمن درهم، ولا خبرة له بسوقه"([13]). وينقل ابن القيم (ت 751 هـ) عن الإمام أحمد (164 ـ 241هـ) ان من خصال المفتي الضرورية "معرفة الناس" وعلق على ذلك: "فهذا أصل عظيم يحتاج إليه المفتي والحاكم (…) بل ينبغي له ان يكون فقيهاً في معرفة مكر الناس وخداعهم واحتيالهم وعوائدهم وعرفياتهم، فإن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والعوائد والأحوال، وذلك كله من دين الله"([14]). والعلم الذي يتناول هذه القضايا هو العلم الاجتماعي، بل العلوم الاجتماعية والنفسية والتربوية، وقد اشار الدكتور الشيخ يوسف القرضاوي إلى ضرورة هذه المعرفة، إذ كيف يستطيع المجتهد أو المفتي ان يحكم في قضايا الاجهاض وقضايا الهندسة الوراثية والجينات وعوامل الوراثة ان لم يطلع على مستجدات العلم