له صنعة يستقل بها، ويتميز على سائر النظم القانونية في صياغته وتقتضي الدقة والأمانة العلمية علينا ان نحتفظ لهذا الفقه الجليل بمقوماته. ونحن في هذا اشد حرصاً من بعض الفقهاء المحدثين، فيما يؤنس فيهم من ميل إلى تقريب الفقه الإسلامي من الفقه الغربي، ولا يعنينا ان يكون الفقه الإسلامي قريباً من الفقه الغربي، فإن هذا لا يكسب الفقه الإسلامي قوة، بل لعله يبتعد به عن جانب الجدة والابداع، وهو جانب للفقه الإسلامي منه حظ عظيم([10])، وان كان السنهوري جرى في أسلوب المقارنة على أنه يعرض أحكام القانون أولاً ثم يأتي إلى ما يقابل تلك الأحكام من الفقه الإسلامي، وهذا جرياً منه على اسلوب القانون قصداً منه فيما يبدو إلى تقريب الشريعة إلى رجال القانون الذين لا يعلمون عن الفقه الإسلامي ما يمكنهم من ادراك مفاهيمه ونظرياته. فهو يقول: "ونسير فيه على غرار نظريات الفقه الغربي تيسير المقارنة بين هذا الفقه والفقه الإسلامي"([11]). ولكن المرحوم محمد قدري باشا خالف هذا الاسلوب وسلك منهجاً ينبثق من داخل النسق الفقهي الإسلامي ذاته. كما ان الدكتور محمد زكي عبدالبر رحمه الله انتقد معالجة الفقه الإسلامي بطريقة الفقه الغربي، وذلك للحفاظ على طبيعة هذا الفقه وعلى الصلة بين ماضيه وحاضره ومستقبله. وينتقد بشدة ما جرى عليه الدكتور السنهوري، ويرى الدكتور محمد وحيد الدين ان تحديث الصياغة لا يؤدي إلى قطع الصلة بين ماضي الفقه الإسلامي وحاضره([12]). والواقع ان تجديد صياغة الفقه الإسلامي من عناصر تحديثه وتقريبه لأذهان الفقهاء عموماً بما في ذلك أهل القانون، ولا يضيره ان يفيد من اسلوب الصياغة التي جرى عليها الفقه الغربي مادامت مادته ومحتواه مختلفين، ولا يخل ذلك بمصدره ولا بمضمونه الشرعي. واذا درسنا بعض المصنفات المعاصرة في الفقه الإسلامي، التي قامت على منهج الموازنة، فاننا نجدها واضحة، وميسرة ومبرزة أكثر لمزايا الفقه الإسلامي، ويفهمها رجل القانون كما يفهمها الفقيه كما فعل د. عبدالحميد متولي في كتابه "اصول الحكم في الإسلام" وعبدالقادر عودة في كتابه "التشريع الجنائي الإسلامي" والشيخ عبدالوهاب خلاف في "احكام الأحوال الشخصية"