مجالات معاصرة للاجتهاد لقد أخطأ من قال: إن باب الاجتهاد اغلق ودعا إلى إغلاقه، متذرعاً بشتى الوسائل والأسباب، ذلك أن نشاط الفتوى لم ينقطع ابداً طوال تاريخ الفكر الإسلامي ومازال المفتون في جميع انحاء العالم الإسلامي يجيبون المستفتين ويصدرون فتاويهم في كل حين وكذلك ظل القضاء الشرعي قائماً مستمراً، إذ استمرت الاحكام الشرعية تتوالى في الصدور وهي مثل الفتوى دائماً تحمل بين طياتها الجديد، الذي يحل مشاكل الناس ويفصل في منازعاتهم، مثلما تطمئن الفتاوى المستفتين المسلمين وتهديهم إلى ما ينبغي عمله وتطبيقه، نظراً لحال الدول الإسلامية وتفرقها واختلاف أنظمتها وقلة العلماء والمجددين والمفكرين وانحسار دورهم بسبب الاستعمار الذي غزا دولنا بجيوشه ونظمه وقوانينه وعاداته الغريبة عن مجتمعاتنا وكياننا، وعمل على عزل الدين عن الدولة، فقامت هذه الازدواجية التي مازلنا نعاني منها في حياتنا، بالتزام الإسلام وتطبيقه في العبادات والابتعاد عنه في ميدان المعاملات التي تعتبر في نظر الإسلام روح الحياة وأساسها، لقيام العلاقات الانسانية عليها من باب تقليد المغلوب للغالب كما ذهب إلى ذلك ابن خلدون([15]). واستبدلنا مؤسساتنا الدينية ونظمنا الإسلامية بهذه المؤسسات والنظم التي تقوم كلها على الربا والاستغلال، كالبنوك بأنواعها المختلفة ومؤسسات التأمين والقرض والقمار وغيرها، مما يتعارض مع أسس ديننا وأحكامه. وهذه في رأيي ومثيلاتها هي المجالات المعاصرة التي ينبغي ان تتصدى لها جهود المجتهدين في العالم الإسلامي اليوم، حتى ترتفع هذه الازدواجية بين العبادات والمعاملات، وهذا التناقض بين حياة المسلمين الذين أخذ شعورهم بالذنب يتعاظم من جراء ذلك، بفضل روح الانبعاث التي أخذت تنمو فيهم وانتشار التعليم والثقافة وعودة الوعي لتصحيح المسار ومحاولات بعض الدول مراجعة تشريعاتها وتنظيماتها على هدى الكتاب والسنة وظهور بعض المؤسسات الإسلامية التي تساعد على ذلك وإن كانت قاصرة في تكوينها وعملها وعدم الالتزام بضمان تنفيذ