المؤلفين والباحثين عبر المائة سنة الماضية، لمعرفة ما بذلوا من جهد في هذا المجال، لوجدنا أنفسنا أمام سياق قانوني جديد، وهذا هو سبب التخلف والجمود وحالة التصلب الفكرية التي واجهت أمتنا عندما عزلته الشريعة عن الواقع وتوقف الاجتهاد العلمي في مجال التجديد الفقهي. ولا يجب أن نغفل أن هناك مجددين ومجتهدين كثيرين على مر المراحل المختلفة، ولكن لم يكونوا بالقدر الذي يؤصل حركة الاجتهاد ويصوغ من الشريعة ما يناسب الواقع. وهذه الجهود امتدت عبر مدرسة القضاء الشرعي وشيوخ القرويين وعلماء الأزهر وغيرها أمثال محمد عبده وجمال الدين الافغاني والمراغي ورشيد رضا وعبدالرحمن الكواكبي ومحمد عبدالوهاب ومحمد الكتاني وعبدالعزيز الثعالبي وعبدالحميد بن باديس وسواهم من دعاة التجديد والإصلاح الذين نبعوا الأمة الإسلامية إلى ضرورة العودة إلى ممارسة حقها في الاجتهاد، للملائمة بين دينها وحياتها، وكانت حركاتهم وصيحاتهم وكتبهم ونداءاتهم الناقوس الذي جلجل في آذان شعوبنا وايقظها من سباتها ونبهها من غفوتها ودفعها للبحث عن نفسها وتغيير واقعها المرير. وهكذا لم يخل عصر من العصور ولا زمن من الأزمنة الإسلامية، من مجتهد من المجتهدين ولو على قلتهم وندرتهم في العصور الأخيرة، بسبب الجمود والجحود، الذي طمس التجديد والاجتهاد، لكنه لم يستطع القضاء عليه، بفضل الارادة الثابتة والمصممة لأولئك الرواد، للعود إلى الاجتهاد وتجديد أمر الدين وإذكاء روحه في النفوس والقلوب، عن طريق العودة إلى الأُصول والامتثال للاوامر الدينية واحياء القيم الإسلامية. لقد أكد هؤلاء الرواد أن الاجتهاد ضرورة من ضرورات بقاء الامة الإسلامية واستمرارها، باعتبار الإسلام دينا يخاطب العقل ويدعو إلى استعماله، مثنياً في الكتاب الحكيم على (أولي الألباب) وعلى (الذين يعقلون) (والذين يتفكرون)